شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا شريعة وطريقا واضحا في الدين
سورة : المائدة ، آية رقم : 48
المعجم: كلمات القران - انظر التحليل و التفسير المفصل*
قال الله تعالى :
(
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ
فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ
جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
قَوْلُهُ : (
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :
(
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً) : سَبِيلًا .
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَنِ التَّمِيمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :
(
وَمِنْهَاجًا) : وَسُنَّةً .
وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :
(
شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) : سَبِيلًا وَسُنَّةً .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَيْضًا وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَكْسُهُ :
(
شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) أَيْ : سُنَّةً وَسَبِيلًا ،
وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ ، فَإِنَّ الشِّرْعَةَ وَهِيَ الشَّرِيعَةُ أَيْضًا ، هِيَ مَا يُبْتَدَأُ فِيهِ إِلَى الشَّيْءِ ،
وَمِنْهُ يُقَالُ : "شَرَعَ فِي كَذَا" أَيِ : ابْتَدَأَ فِيهِ .
وَكَذَا الشَّرِيعَةُ وَهِيَ مَا يُشْرَعُ مِنْهَا إِلَى الْمَاءِ .
أَمَّا (
الْمِنْهَاجُ) : فَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ السَّهْلُ ،
وَالسُّنَنُ : الطَّرَائِقُ ،
فَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ : (
شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ أَظْهَرُ فِي الْمُنَاسَبَةِ مِنَ الْعَكْسِ ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَدْيَانِ ،
بِاعْتِبَارِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ الْكِرَامَ مِنَ
الشَّرَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْأَحْكَامِ ، الْمُتَّفِقَةِ فِي
التَّوْحِيدِ ،
كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(
نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، دِينُنَا وَاحِدٌ)
يَعْنِي بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ كُلَّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ ، وَضَمَّنَهُ كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ ،
كَمَا قال الله تعالى: (
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الْأَنْبِيَاءِ : 25
وَقال الله تعالى : (
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النَّحْلِ : 36 ،
وَأَمَّا
الشَّرَائِعُ فَمُخْتَلِفَةٌ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ،
فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ حَرَامًا ثُمَّ يَحِلُّ فِي الشَّرِيعَةِ الْأُخْرَى ، وَبِالْعَكْسِ ،
وَخَفِيفًا فَيُزَادُ فِي الشِّدَّةِ فِي هَذِهِ دُونَ هَذِهِ .
وَذَلِكَ لِمَا لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ ، وَالْحُجَّةِ الدَّامِغَةِ .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ : قَوْلَهُ :
(
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) : سَبِيلًا وَسُنَّةً ،
وَالسُّنَنُ مُخْتَلِفَةٌ :
هِيَ فِي التَّوْرَاةِ شَرِيعَةٌ ، وَفِي الْإِنْجِيلِ شَرِيعَةٌ ، وَفِي الْفُرْقَانِ شَرِيعَةٌ ،
يُحِلُّ اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ ، وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ ، لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ ،
وَالدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ غَيْرَهُ :
التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ ، الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ .
وَقِيلَ : الْمُخَاطَبُ بِهَذَا هَذِهِ الْأُمَّةُ ،
وَمَعْنَاهُ : (
لِكُلٍّ جَعَلْنَا) الْقُرْآنَ (مِنْكُمْ) أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ ،
(
شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) أَيْ : هُوَ لَكُمْ كُلِّكُمْ ، تَقْتَدُونَ بِهِ .
وَحُذِفَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ : (
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ)
أَيْ : جَعَلْنَاهُ ، يَعْنِي الْقُرْآنَ ،
(
شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) أَيْ : سَبِيلًا إِلَى الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ ، وَسُنَّةً ؛
أَيْ : طَرِيقًا وَمَسْلَكًا وَاضِحًا بَيِّنًا .
المصدر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير