الفصل الثاني
ارتدَ عبد الدايم فزعا ووقع على مؤخرته من هول ما رأى ، أخذه لسان الحال وهو يرتجف فلم يزد عن قول (لا حول ولا قوة إلا بالله ) دار برأسه حوله قد يرى أحدا من الناس فينادي عليه ليري ما رأى ، لم يجد غير حوله إلا عفاريت الطريق ترقص في عينيه ، ركب حماره بصعوبة كأنه لم يركبه من قبل ، فقد تاه عن مقصده وضل طريقه ، حتى أن الحمار عاد به إلى البيت وهو لم يدري بنفسه إلا عندما وقف الحمار أمام باب بيته، ، ظل فوق ظهر الحمار جالسا ولسان حاله لم يتوقف ، تخرج هنيه زوجته على حين غرة وهو يهذي ،ما بك يا عبده ؟ ، أنزلته من فوق ظهر الحمار ، جلسته على دكته ،راحت تستنقطه ،ماذا بك ؟, مصيبة...! مصيبة يا هنيه رايتها ، جلست بجانبه وهي تضمه بين ذراعيها كأنه طفل ، تكلم يا عبد الدايم ...!؟, ذبحوها وقطعوا رأسها ،، من التي ذبحوها وقطعوا رأسها يا عبد الدايم ؟, لا أعرف يا هنيه ..!، أين ؟ ، تحت السدرة عند العوجة ، كادت هنيه تصرخ لولا أن ربط الله لسانها ، قالت :اكتم عن الناس الخبر يا عبد الدايم ولا تخرج اليوم من البيت اليوم .. ڤانت لم تر شيئا ولا تدري بشيء ، حتى لا تسأل ويظهر الخبر ، تكتم على ما رأيت ....
كتم عبد الدايم على الخبر وكمم فمه ، لكنه لم يستطع أن ينسى ما شاهدته عيناه
كتم عبد الدايم على الخبر وكمم فمه ، لكنه لم يستطع أن ينسى ما شاهدته عيناه ، فقلبه امتلأ رعبا ، قضى نهاره شاردا ، جاءت إليه هنيه بالطعام فأمسك عنه ، حاولت هنيه معه ، أكل بعض لقيمات لا يسدن رمقه ، دفعته فصل العشاء ، ود أن يخلد للنوم فما وجد سبيلاً إليه ، استباح الدار صعودا وهبوطا ، جلوسا ونهوضا ، فجوارحه لا تود الخضوع والخشوع ، قبل ٱذان الفجر أخذته سنة من النوم وهو جالس على أريكته ، فإذا بالقتيلة تقترب منه وهي تناديه باسمه ، عبد الدايم ...عبد الدايم ينظر إليها مرعوباً .. نعم .. نعم .. ما الذي جاء بك إلى هنا ؟. أتركيني أتركيني .. تمد يدها إليه وتمسكه وترتفع قامتها حتى تصل سقف البيت برأسها وتلامسه ، والف ضحكة هستيرية ، يٌصعق على أثرها عبد الدايم ، ويهبط من رقدته على الأرض منتصباً صارخا .. أتركيني أتركيني .. تأتي هنيه مهرولة على صوته فزعة مضطربة ، ما بك.. ما بك يا عبدالدايم ، استعذ بالله من الشيطان الرجيم وثقل قلبك يا رجل ، قم وصل الفجر واستعذ بالله ، قم ....
صل عبد الدايم الفجر وركب حماره وذهب كعادته في طريقه إلى حقله ، لكن كان لديه احساس أن شيئا ما يمشي خلفه أو بجواره ويشاركه الطريق ، فجسده يخبره ، فقشعريرة جسده ووقوف شعر رأسه تحت عمامته أكبر دليل ، تخبط حماره في مشيته دليل ، لكنه مضى في طريقه بالرغم مما ينتابه من خوف وشعور، أقترب من السدرة وأطلق نواظره التي راحت تطوف حولها في المكان ، لكن لا شئ يرى أو يجد ، اقترب وتوازى مع السدرة ، فإذا من يمسك قلادة الحمار ويكلمه ، كان صوت المتكلم أنثى رقيقة ، وهي تقول كنت انتظرك يا عبد الدايم، يلتفت حوله ويدور برأسه ولم ير أحداً ، ثم راحت تظهر له ، أمرأة كاملة الأنوثة ، لم مثيلها قط في الأجواء التي حوله ، لقد ظهرت بمظهرها الذي لا يخيفه ولا يرعبه ،لم يكن ظهورها له هذه المرة مرعبا ، بل كان مغريا وغير مخيف ،، حينما نظرها عبد الدايم فر منه خوفه .. من أنتي ؟ .. هي : أنا الحيصه بنت الحيص ملك الجن ،،، عبد الدايم : يعني أنتي جنيه بنت جن ..؟ ، الحيصه : نعم أنا جنيه ، عبد الدايم : ماذا تريدين مني ؟ ، الحيصة :أريدك أنت .. عبد الدايم: اتقي الله يا حيصة واتركيني لوجه الله ، الحيصة : كيف أتركك وحين قسموا بيني وبين اخوتي كنت أنت من نصيبي .. عبد الدايم : هو أنتم بتقسموا البشر على أنفسكم كيف المتاع ؟ ، ، الحيصة : نعم كنت قسمتي نصيبي ..شد رباط جأشه وهو يخاطبها بعدما هرب الخوف منه ، يا جلالة الملكة الجن لا يجوز أن أتزوج بك ، ولا يجوز أن يتزوج أنسياً جنية ولا جنية بأنس ، الحيصه : عندنا يجوز ..أصبحت زوجي من الآن ....عبد الدايم : يا جلالة الملكة الجن : كل شيئ قد يكون الخناق إلا الزواج عندنا بالوفاق .. أطلقت ضحكة عالية ناعمة وراحت تتلاشى في الفضاء ، فإذا به وحماره وحيداً يخاطب الخواء ..