تفرَّدَ المأمون يوما في بعض تصَيُّدِهِ
فانتهى إلى بعض البيوت لأهل البادية
فرأى صبيا يضبطُ قِرْبَةً ، وقد غلبهُ ( وِكاؤها ) أي خيطها ،
وهو يقول لأبيه :
يا أبَتِ أُشْدُدْ ( فاها ) فقد غلبني ( فوها ) فلا طاقة لي ( بفيها )
قال المأمون فسألت الفتى : ممنْ الغلام ؟
فقال : من قُضَاعة
قلت : مِنْ أَيُّها ؟
قال : من كلب
قلتُ: وإنك لمن الكلاب ؟!!
قال : لسْنا هم ؛ ولكن قبيل يدعى كلبا
قلت : فمن أيهم أنت ؟!
قال : من بني عامر
قلت : من أيها ؟
قال : من الأجداد ثم من بني كنانة
... ثم قال الغلام :
فمنْ أنت يا خالي ؟ فقد سأتني عن نسبي ؟
فقال المأمون : ممن تُبْغِضُهُ العربُ كلها
قال الغلام : فأنتَ من نزار
فأجبت : أنا ممن تبغضه نزارُ كلها
فقال : فأنت إذا من قريش ؟!
فقلت : أنا ممن تبغضه قريش كلها
فقال : فأنت إذن من بني هاشم ؟!
قلت : أنا ممن تحسدهُ بنو هاشم كلها
فأرْسَل الغلام فمَ القربةِ من يده ، وقام إليَّ وقال :
السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته
وأنشد :
مأمونُ ياذاالمِنن الشريفة = وصاحب الكتيبة الكثيفة
هل لك في أرجوزة ظريفة = أظرف من فقهِ أبي حنيفة
لا والذي أنت له خليفة = ما ظلمت بأرضنا ضعيفة
عاملُنَا مؤنتهُ خفيفة = وما جَبَا فَضْلا عن الوظيفة
فالذئب والنعجة في السقيفة = واللصُّ والتاجرُ في القطيفة
فقال له المأمون : أحسنت ؛ أيما أحبُّ إليكَ ؛ عشرة آلاف درهم معَجَلة ؟ أم مائةُ ألفٍ مؤجلة ؟
قال الغلام : بلْ أدَّخُرُك يا أمير المؤمنين
فحمله المأمون معهُ ، فكان من مسامريهِ
البوابة 
رابطة محبي اللغة العربية 
السبت 13 أبريل 2024, 9:44 pm
