عبد الستار عبد الحميد
عدد المساهمات : 24 تاريخ الميلاد : 31/12/1962 العمر : 61 تاريخ التسجيل : 28/12/2014 الموقع : تونس العمل : موظف عمومي المزاج : عادي تعاليق : الحمد لله رب العالمين
شكرا على هذا المنتدى أرجو الاستفادة و المشاركة الايجابية
سلام
| موضوع: النحو العربي و الغراماتيكا الغربية الأحد 15 مارس 2015, 11:22 pm | |
| العامل النحوي : عندما نتحدث عن عامل فإننا نتحدث عن الشيء الذي يحدث أثرا من جراء فعله أو حضوره يسبب تغيرا في شكل أو سمات شيء آخر، و يمكن التعرف عليه من جراء تلك السمات بل و قياس مدى أثره. و مثال هذا عوامل الانتاج الاقتصادية و التي هي رأس المال و المال و القوة العاملة و القوة الفكرية، فكل منها يوظف كعامل من عوامل الانتاج لإحداث تغيير بالمادة الأولية و تحويلها الى منتج مصنع يحمل قطعا سمات كمية و نوعية من العوامل الموظفة. في الرياضيات نتحدث عن عوامل توظف في الصيغة الرياضية لإنتاج تغييرات كمية و نوعية بالمقادير أو المعطيات الأولية. و نسجا على المنوال السابق فإن العوامل النحوية هي متدخلات لفظية مؤثرة على جملة من الألفاظ المرتبطة معها في الجملة تأثيرا نحويا ( اعرابيا) يمكّن من تحديد فاعلية الألفاظ و نوعية الإتظاف بين تلك الألفاظ بما يكفل الفهم المنطقي للجملة على المنوال الذي أريد التعبير عنه. غير أنّ هناك ألفاظا لا تتأثر بالعوامل الاعرابية و تسمى الألفاظ المبنية و منها أسماء الاشارة و أدوات الاستفهام و الأفعال في صيغتي الماضي و الأمر و هاته العوامل هي ألفاظ واردة بالجملة وقد تكون أفعالا أو أسماء أو حروفا، و التعرف عليها يمكن أن يكون نحويا أو منطقيا. فعندما نقول : أكل علي خبزا، فإننا و من غير أن نطالب بوضع العلامات الاعرابية أي رسم الحركات على نهايات الألفاظ المكونة للجملة ، نفهم قطعا أن عليا هو الفاعل للأكل و هو من أكل الخبز إذ لا يمكن للخبز أن يأكل عليا. فالعامل النحوي هنا هو فعل يتتطلب فاعلا و منفعلا أو مفعولا به ، وهو ما يعبر عنه بالعامل و المعمول . و كذلك لو قلنا : ذهب علي الى المدرسة، فهذا العامل النحوي يستقرأ منطقيا أولا ، إذ بحكم معرفتنا أن الأكل يصدر من الكائن صاحب الجهاز الهضمي ، نكون قد اعترفنا بأن الرفع يكون لعلي و النصب للخبز ، أي نرفع عملية الأكل و نسدها منطقيا لعلي. لكن لو قلنا : شكر علي صالحا ، فإننا نكون مجبرين نحويا على وضع السمات الاعرابية لكل لفظ كتابة أو إظهار التنوين الصحيح الموفي لغايتنا من القول شفاهيا، ذلك أنه بدونها يمكن أن يختلط علينا الأمر فنفهم أن عليا شكر صالحا كما يمكن أن نفهم أن صالحا شكر عليا، وهذا يعود لخاصية للغة العربية وهي مرونتها في التبليغ عن نفس العبارة بصيغ مختلفة في تراكيب مختلفة الترتيب. و مثال ذلك في الجملة التالية : عاد علي إلى الدار مرادفة للجملة علي عاد الى الدار ومرادفة للجملة الى الدار عاد علي . وهذا لا يتأتى للغات أخرى منها ذات الأصول الجرمانية و كذلك ذات الأصول اللاتينية . فلا يمكن لنا صياغة الجملة الفرنسية التالية : Ali va à l’école في صيغة نبتدئ فيها ب Va ، فلا منطقية في القول ،Va Ali à l’école ، و كذلك في اللغة الأنجلزية فلا يمكن أن نبتدىء الجملة التالية Maria drinks tea بالقول drinks Maria tea . أما لو قلنا Tea drinks Maria فأن المعنى يفسد تماما لأنه يعني أن الشاي شرب ماريا، أما العربية فانها تسمح بتقديم الشاي على ماريا في الجملة ، أي المفعول على الفاعل. و حتى تحافظ على المعنى الذي يراد ابلاغه فقد استعملت علامات اعرابية ، فكان الرفع و النصب و غيرهما. لذلك فالنحو العربي هو عربي خالص ، أي أن صيغه المعيارية ناتجة عن الدراسة التحليلية الخصوصية لهذا اللسان و لكن أيضا بالاعتماد و الرجوع إلى معايير علمية سابقة له وهي معايير الفكر و الفقه العقديين الاسلاميين الذين كانا سابقين له في النشأة و قد أثّرا فيه تأثيرا بالغا و مشهودا. و لذلك فإن la grammaire وهي من المفروض المقابل الطبيعي للنحو العربي في اللغات اللاتينية و الجرمانية لا تستعمل نفس المعايير و لا نفس التسميات. فالجملة الفرنسية البسيطة التالية: Sophie joue au ballon تفصّل طبقا للغراماتيكا grammaire الفرنسية على النحو التالي ballon joue Sophie Complément (d’objet) verbe sujet
وهو ما يقابله في لغتنا : - الموضوع وهو le sujet ، وهذا مختلف كل الاختلاف عن الفاعل الذي اختص به النحو العربي - المتمم وهو le complément ، والمتمم لا يسبق ما أريد به أن يتمم، بل إن موقعه الزمني الطبيعي هو التأخير ، و بالتالي فانه يحصل على موقع متأخر في الجملة. - أما العبارة joue فإنه ليس لها مقابل في النحوي العربي، لأنها تعبّر فقط عن الكلمة أو العبارة و لا تعني ما يعنيه النحو التقعيدي العربي بلفظة " فعل". - فحسب القاموس الفرنسي DICTIONNAIRE D’ETYMOLOGIE FRANCAIS لمؤلفه Auguste Scheler المخصص لدراسة أصول الكلمات و الألفاظ الفرنسية ، فإن اللفظ Verbe هو من أصل لاتيني و معناه " الكلمة " - Verbe : du Latin verbum , veut dire proprement : parole - و نفس التعريف تقريبا نجده بالقاموس الفرنسي المخصص لدراسة الألفاظ الفرنسية الآتية من أصول لاتينية و إغريقية و هو بعنوان LE VOCABULAIRE FRANÇAIS ، MOTS DERIVES DU LATIN ET DU GREC من تأليف IRENEE CARRE - Verbe : de verbum , mot parole, mot par excellence و حتى تكون المسألة أوضح ، أرى أنه لا بدّ من عرض موجز للغراماتيكا اللاتينية و الإغريقية التي هي أساسي الغراماتيكا الغربية في يومنا هذا الغراماتيكا العربية فالدراسات اللاتينية للجملة تعود الى فكرة أصلية قديمة للقرون الأولى بعد الميلاد ترى أن الجملة تنبني حول نواة أساسية تتكون من الموضوع و العبارة sujet-verbe. و كل العبارات الأخرى بالجملة يمكن حذفها دون أن تصبح الجملة غير كاملة ( أي أنها تبقى قابلة للفهم و مؤدية لمعنى ولو بمعنى غير تام) و طبقا للمبدأ الذي بقول بأنه ليس ممكنا أن نقول شيئا حول لاشيء، فإن أي لفظ (قول verbe ) في حاجة الى موضوع. و هذا ما يقود الى دراسة ترتيب الألفاظ في الجملة ، فيأتي الموضوع و العبارة أولا و يكونان سابقين دائما. ولقد بدأت تظهر عبارات تقنية في القرن الرابع قبل الميلاد بأثينا ، لكنها كانت تستعمل من طرف المتخصصين في دراسة اللغة كوسيلة تفكير و جدال و ليس من طرف مختصين في الغراماتيكا .و قبل هذا بكثير كانت الغراماتيكا grammatikè هي علم فن الكتابة السليمة ، أي تدرس كيف يتم كتابة ما نطق بصحة. فأفلاطون ( 428-348 ق م) بدأ بالتمييز بين جزئين من العبارة ، أحدهما يخص موضوع العبارة ( le nom :onoma ) و الأخرى تخص ما يقال ( verbe : rhema) وجاء بعده أرسطو ( 384- 322 ق م ) و قال بأنه بالإمكان أن نربط بين مختلف الأجزاء المكونة لجملة و نمنح الاسم وظائف جديدة لا تقتصر به على كونه موضوع فقط ، وكذلك نمنح القول verbe وظائف أخرى أيضا لا تقتصر به على كونه مخبرا عن الموضوع فقط . فبدأ يظهر عنصرين جديدين هما la conjugaison بالنسبة للقول و le cas بالنسبة للاسم. ثم تواصل التطور في دراسة اللغة و خصوصا عن طريق les stoiciens و les alexandrins الى أن ارتسمت جميع معالم دراسة الغراماتيكا اللاتينية و الاغريقية لهاتين اللغتين وظهرت العناصر التالية في أواخر القرن الثاني قبل المسيح والمتكونة من ثمانية عناصر وهي : - Le nom و Le verbe و Le participe و L’artricle و Le pronom و La préposition وL’adverbe و La conjonction و هنا نلاحظ غياب l’adjectif الذي كان يعتبر قسما من الاسم و لم يتم تخصيصه كعنصر مستقل الا في منتصف القرون الوسطى الأوروبية أما l’interjection فقد ظهرت في الغراماتيكا اللاتينية في القرن الثالث بعد المسيح كعنصر مستقل ، و يقال أن هذا الإفراد ربما حدث لتعويض غياب عنصر l’article في اللاتينية. فكانت القائمة تضم ثمانية عناصر لكن بوجود عنصر l’interjection بدل l’article مبدأ العلّية ( السببية) خلافا لهذا فان النحو العربي نشأ متأخرا عن الغراماتيكا اللاتينية و الاغريقية و في بيئة مختلفة تماما فإن الفكرالعقدي الاسلامي سبقه في النشأة، و قد أثر في الرؤيا النحوية تأثيرا بالغا و عميقا. فلم يكن ينبني النحو العربي على أسس المنطق الصوري الاغريقي بل على العقل التحليلي الاسلامي. إن مبدأ الفاعلية و إرجاع كل موجَد الى موجد له و كل حركة الى محرّك لها ، هو المبدأ الذي ملخصه أن لكل فعل فاعل كان له الأثر العظيم في رسم قواعد النحو العربي و ايجاد تعريف خاص للحركة المترتبة عن الفاعل فكانت الفعل . و كانت الجملة و هي تعبير شفوي في صيغة الإخبار أو الإنشاء، متطلبة للبحث عن أثر الفاعل و نوع الفعل و صيغة المفعولية المترتبة عن فعل الفاعل على الشيء المنفعل أو المفعول به أو له أو فيه أو غير ذلك. فكان البحث هو بحث في الحقائق التي ورد الخبر عنها بألفاظ الجملة. و كان لا بد لهذا البحث أن يتحول الى الربط بصيغة التناظر بين مفردات الجملة و الحقائق الواقعة التي تعبر عنها هاته الجملة. فنتج أن نفس اللغة الكلامية للعقلية أو الفلسفة الاسلامية إن شئنا القول انسحبت على النحو كعلم قائم الذات منذ نشأته. فنحن أمام توصيفين متماثلين فقها و نحوا. فكان بهذا أن العامل هو استنتاج نحوي عربي للجملة العربية مستقرأ من الدراسة و التحليل المنبثقين عن العقل الاسلامي.
و لكن ما يبعث على التساؤل هو انعدام الخطية the linearity , la linéarité الواضحة في هذا النحو ، بما أنه يتخلى في جزء منه عن التأويل المبني على مبدإ العلّية ليتعامل مع النص من منطلق منطقي آخر يظهر لنا في تسميات مختلفة مثل المبتدأ و الخبر و النواسخ و التوابع و غيرها. و قد يكون ذلك لقصور في آلية التقعيد المبنية على مبدإ العلية كما قد يكون منحرفا عنها و لكن غير مبعد منها ، بل هو يفي بالحاجة و يجيب عن تساؤل مغاير لا يفترض أن تكون فيه للعلية الوجود المباشر و الصريح . فالسؤال عمن خلق الكون ليس مبعدا عن السؤال عن كيفية خلق الكون أو انتظامه و سيرانه. و بالتالي فان الجملة : بحث علي في حقيقة الماء ليست مبعدة عن القول : الماء متكون من ذرتين من الهدروجين و ذرة من الاكسيجين . فالجملة الاولى تجيب عمن هو الباحث أو عمّ يبحث علي أو عمّ يفعل علي فكان لا بد من صياغة القول في اطار العلية للاجابة عن السبب و الجملة الثانية تجيب عن مكونات الماء فتتطلّب صياغة مخالفة وصفية لحالة و نظامها. | |
|
يوسف قبلان سلامة عضو جديد
عدد المساهمات : 467 تاريخ الميلاد : 28/04/1978 العمر : 46 تاريخ التسجيل : 22/06/2017 الموقع : --- العمل : شاعِر وكاتب ومترجم المزاج : الحمدلله تعاليق : (لولا المشقةُ سادَ الناسُ كُلَهم ... الجودُ يُفقِر والإقدامُ قَتَّالُ)- المُتَنَبّي
| موضوع: رد: النحو العربي و الغراماتيكا الغربية الأربعاء 15 أغسطس 2018, 8:56 pm | |
| شكرنا الجَمّ أستاذنا السيّد عبد السّتّار على ما قَدّمْتَهُ من بحث شامِل في اللغة، يغوص محللاً بإيجاز أصول النحو الشّرقي والغربي. أجَل تتمّيّز لغتنا العربية التي أنزِل بها القرآن الكريم عن باقي اللغات بعمق معاني جُمَلها، حيث تتفَرّع جُملها في العَقل إلى عِدّة أبْعاد فيها التحليل والدِّقّة. إنها كالنور الذي تتفَرّع منها ألوان تُفضي إلى معنى النور. بوركت أستاذنا السيد عبد السَّتار ودام عطاؤك. | |
|