منتديات رابطة محبي اللغة العربية مجلة تخصصية في علوم اللغة العربية ، لخدمة طلاب وأصدقاء لغتنا ، ونشر الخير والعطاء حفظا للغة القرآن الكريم | |
المواضيع الأخيرة | » جمال اللغة العربية وأسرارها من طرف محمد فهمي يوسفadmin الخميس 31 أكتوبر 2024, 10:38 pm
» المشتقات في اللغة العربية من طرف محمد فهمي يوسفadmin الخميس 31 أكتوبر 2024, 12:10 am
» تنبيه مهم جدا لأسرة المنتدى من طرف محمد فهمي يوسفadmin الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:47 pm
» معاناة الناس من الحياة من طرف محمد فهمي يوسفadmin الإثنين 07 أكتوبر 2024, 3:46 pm
» من أقوال السلف من طرف محمد فهمي يوسفadmin الأحد 06 أكتوبر 2024, 7:43 am
» ذكري المولد النبوي الشريف من طرف محمد فهمي يوسف admin الأحد 15 سبتمبر 2024, 9:19 pm
» لو سمحت ..عرفنا عن نفسك ! من طرف محمد فهمي يوسف admin الأحد 15 سبتمبر 2024, 6:11 am
» صحوة الغرماء جاد سحقا للدخلاء. من طرف رشيد الجمعة 30 أغسطس 2024, 2:11 am
» لا تتركين دربي من طرف سيد يوسف الجهني الإثنين 29 يوليو 2024, 8:42 pm
» رفقا بقلبي حبيبتي من طرف سيد يوسف الجهني الإثنين 29 يوليو 2024, 8:39 pm
|
كلمة الإدارة | تتضرع إدارة المنتديات بالدعاء لله رب العالمين أن ينقذ مصرنا المحروسة من وباء الكورونا المستجد
|
|
| وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
زائر زائر
| موضوع: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 11:48 am | |
| الأدب الجزائري الحديث يتميز الأدب الجزائري الحديث عن بقية آداب اللغة العربية في العالم العربي، بخاصية منفردة قلما نجدها، تجتمع في أدب العروبة قديماً وحديثاً، ويتمثل ذلك التمايز في جملة من الخصائص المركبة المعقدة، أنبتتها صيرورة تاريخية لا مناص منها, تدخلت في تشكيل الأدب الجزائري على مرّ العصور ثلاثة عناصر، العنصر المحلي، والعنصر العربي، والعنصر اللاتيني الفرنسي، وانصهرت العناصر الثلاثة لغة وحضارة عبر التاريخ، ثم لبست حلة عربية في مرحلة استرداد السيادة الوطنية في الربع الأخير من القرن العشرين. التقت العناصر الثلاثة : . . . . . . . . . . . . . . . . . . لقاء الصراع والتفاعل والاندماج، وأثمرت في النهاية أدبا« جزائرياً» قبل أن يكون لاتينياً فرنسياً، وإن نطق باللاتينية والفرنسية، وقبل أن يكون عربياً أو وطنياً محليا، وإن نسج أحداثه وشخوصه من عبقرية الأرض والعروبة، وبناء على هذا التركيب العجيب، توحدت عناصر اللغة والفكر والبيئة والتاريخ والإنسان الجزائري، في صورة شديدة التعقيد والثراء، تولدت عنها صورة الأدب الجزائري المعاصر، الذي تعددت منابعه وتباينت أصوله ومشاربه, لكنها تصب جميعها في محيط أشمل، يتسع لكل الروافد, محيط الثورة الجزائرية، التي انصهرت فيها كل التيارات الفكرية واللغوية، وتخضبت فيها كل الكفوف الجزائرية بالدماء، مثلما تخضبت بالحناء في عرس الاستقلال ونيل الحرية1. فعندما تندمج الروح الشرقية للجزائر بالثقافة الفرنسية، التي يستخدمها الكتاب الجزائريون، تكون النتيجة أدباً أصيلاً. فالأدب الجزائري مع ما له من خصائص عربية عديدة تميزه، يختلف عن الأقطار العربية، حيث لم يكن للاستعمار تأثير مشابه على التعليم والثقافة، بل أن التفكير الجزائري ذاته يعتبر مختلفا ومتبايناً، حيث إنه يشكل مزيجاً من العقلانية والمنطق والشاعرية. ولا يمكن لهذه العناصر المتناقضة، أن تكون جميعها وليدة ثقافة واحدة؛ فالجزائري يمتلك بطبيعته الروح الشاعرية والمتدينة والقدرية، وقد تحصل من ثقافة المستعمر على المنطق والعقلانية. أقبلت الرواية الجزائرية باللغة الفرنسية في العشرينات، تحمل في تضاعيفها هذا التاريخ المثقل بالتنوع والثراء وبالصراع والمقاومة، الأمر الذي يفسر غلبة طابع المقاومة على الإنتاج الروائي الجزائري. ــ يُتبع /....
عدل سابقا من قبل أم بشرى في الأحد 28 أكتوبر 2018, 12:36 pm عدل 1 مرات |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 11:53 am | |
| تـــابع :الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية إشكالية اللغة والوطن: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يزخر تاريخ أدب العالم بأمثلة عديدة من الكتاب الذين كتبوا بلغة غير لغتهم الأصلية، إما طواعية منهم أو أنهم كانوا مضطرين لذلك لأسباب سياسية في بلادهم، فكتب بعضهم بالفرنسية وآخرون بالإنجليزية ولم يعتبروا نتيجة لذلك فرنسيين أو إنجليزا، ومن بين هؤلاء جبران خليل جبران وجورج شحاتة من لبنان، وادوارد سعيد وجبرا إبراهيم جبرا من فلسطين، وقوت القلوب وأندريه شديد من مصر وغيرهم. شكلت الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية ظاهرة ثقافية ولغوية متميزة وأثارت بذلك حولها جدلاً كبيراًً بين النقاد والدارسين، منهم من عدها رواية عربية باعتبار مضامينها الفكرية والاجتماعية، والكثرة عدوها رواية جزائرية مكتوبة باللغة الفرنسية، باعتبار أن اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي بها يكتسب الأدب هويته، ثم إن الكتابة الروائية بالفرنسية قد ساهمت في نمو الأدب الفرنسي، أكثر ما ساهمت في إخصاب الأدب العربي، ولذا فنحن حينها نقف عند هذه الظاهرة المتميزة، فإننا لا نفعل أكثر من إعطاء فكرة عن نشأة هذا الفن في ظروف حرجة في الجزائر أو في المغرب العربي عموماً. ويذكر« جان ديجو» أنه يمكننا فيما بين سنة 1920 وسنة 1945، أن نعثر على محاولات قليلة في الكتابة الروائية، فقد ظهرت سنة 1925 أول محادثة لعبد القادر حاج حمو بعنوان« زهرة امرأة عامل الناجم» وفي هذه الرواية يقلد الكاتب تكنيك الرواية الطبيعية عند أميل زولا. وفي 1926 كتب سليمان بن إبراهيم بالاشتراك مع إتيان دينيه رواية بعنوان «راقصة أولاد نائل» وكذلك كتب عبد القادر فكري بالاشتراك مع روبير راندو حواراً قصصياً يتميز بطابعه السياسي بعنوان« رفاق الحديقة» سنة 1933. وفي سنة 1936 كتب محمد ولد الشيخ رواية بعنوان« مريم وسط النخيل»2. إن هذه النصوص شكلت فيما بينها المتن الجزائري الأول، الذي تميز على المستوى الجمالي بطغيان سلطة «الدياليكتيك»، حيث إن الخيال الروائي والنسيج النصي، كانا يتأسسان على قاعدة« المقايسة» لنص كولونيالي، له تصوراته عن الإنسان الجزائري، تلك التصورات التي تنتجها الأيديولوجيا الكولونيالية، والتي ترى الإنسان العربي والإفريقي بعين« اكزوتيكية» إغرابية، تحقيرية ومتخوفة. إن وضعية هذه الموجة تشبه حالة النساخين لأساليب الكتابة الروائية، التي مارسها الكتاب الفرنسيون مثل: لويس براتراند، وروبير راندو، وغابرييل أود يسو، وإيزابيل إبهارد، وإيتيان دينيه، وبول بيلا، وإيمانويل روبلس، وغيرهم. يتبع /... |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 11:57 am | |
| تــــابع :كانت كتابات هذه الموجة من الروائيين« الهالي» تتميز بنسخية واضحة، قدمت الإنسان الجزائري في صورته الفلكلورية السياحية الاستهلاكية. كما النص نفسه من حيث البناء الجمالي، لم يتخلص من كتابة مغامرات مبسطة وتافهة، وحكايات غرامية بين الأهالي و«الفرنسيات» و«المسلمات»، إذ تصور الإنسان الجزائري غريزيآ، وساذجآ طيباً، وخبيثاً دموياً. لقد كانت هذه الموجة من الكتاب متوجهة إلى« الآخر»، تريد أن تشعره أولاً بأن الانتلجانسيا الأدبية الأهلية قادرة على الكتابة، التي هي ظاهرة حضارية، لكن الهموم والمشكلات المطروحة في النصوص، لا تتعدى أن يكون هذا« الجزائري» إطاراً وموضوعاً للتسلية والفلكلور، بمفهومه الاستهلاكي التحقيري. بدأت الحركة الروائية الجزائرية باللغة الفرنسية، تؤسس لنفسها متناً هو مرآة لذاتها، لطموح الإنسان في هذا الشمال الإفريقي، الذي بدأت الحداثة تهزه على لعلعة مدافع هتلر، وتؤسس الحركات الوطنية، وسقوط العشيرة والدم والقبيلة أمام المفاهيم المعاصرة. كان على منتجي الرواية باللغة الفرنسية، خلق مسافة لتأمل التاريخ ونقد الذات، ونقد الآخر. فمن خلال هذه المسافة وفي ظل هذه المساحة، بدأ الإعلان عن نص روائي جديد يبشر بإنسان جديد وبعقل جديد، قلب موازين البطولة الروائية. فإذا كان الآخر« الفرنسي» هو المركز في الرواية الكولونالية،« الأنا» أي« الأهلي» هو الهامش. وفي هذا النص الجديد ولد إنسان جديد3. ففي سنة 1942 أنهى الكاتب الجزائري علي الحمامي روايته بعنوان« إدريس» التي توصف على أنها كتاب محرر في شكل رواية. وهذه المحاولات من الناحية الفنية تعد أقرب إلى القصة الطويلة أو الحدوثة منها إلى الرواية الفنية. استطاع القراء منذ 1945 التعرف على قلة قليلة من الروائيين، الذين ارتادوا اللغة الفرنسية مباشرة، وعبروا عن واقع مجتمعهم. وقد عرفت هذه الفترة ولادة جديدة للقصص الجزائري، المكتوب باللغة الفرنسية؛ فنشرت مارجريت طاوس عميروش روايتها« الياقوتة السوداء» سنة 1947. ثم نشرت جميلة دباش روايتها« ليلى فتاة الجزائر». وفي سنة 1948 نشر مالك بن نبي روايته« لبيك». مولود فرعون... وعي الذات والآخر . . . . . . . وهكذا تضاعفت المحاولات باللغة الفرنسية في فترة الخمسينات، فنشر مولود فرعون عام 1950« ابن الفقير»، وفي سنة 1953 ظهرت له رواية« الأرض والدم»، وفي عام 1957«الدروب الصاعدة»، وصددت يومياته سنة 1969 في كتاب مستقل يحمل عنوان «مولود فرعون: رسائل إلى الأصدقاء»، وأخيراً نشرت روايته« الذكرى» عام 1972. ويعد فرعون أحد أكبر كتاب المغرب العربي ذوي التعبير الفرنسي شهرة، لقد كانت «ابن الفقير» روايته الأولى ولا تزال، أول عمل أدبي يبدأ به كل تلميذ جزائري اطلاعه على الأدب الوطني. وكان فرعون يلفت انتباه مواطنيه كلما أصدر كتاباً جديداً وكان آنذاك معلماً قروياً، انتقل للعمل في العاصمة قبيل هلاكه المأساوي على يدي غلاة الاستعمار الحانقين. وقد حاز إبداعه شيئاً فشيئاً على شهرة واسعة، ليس في وطنه فحسب بل في فرنسا كذلك، وترك موت الكاتب أثراً فاجعاً في قلوب كل الناس من ذوي الإرادة الطيبة. ساهم مولود فرعون كثيراً في دعم القضية الوطنية، وإيقاظ الوعي للشعب الجزائري، الذي هب لمعركته الخيرة والحاسمة ضد الاستعمار. إثر اغتيال مولود فرعون، صرح جان عميروش في استجواب له، لقد كانت جريمة المغتال الرئيسية هي رغبته في رؤية الإنسان سعيداً، يحمل باعتزاز اسمه الخاص، وسعيداً بتمتعه بوطنه، ومؤمناً بمستقبله ويمكن كل ابن فقير من أن يقرر مصيره4. ويكمن في هذه الكلمات الثلاث (الحرية، الرسم، الوطن) مغزى وهدف إبداع كتاب شمال إفريقيا. الذين فرعون ينتمي إلى جيلهم. اغتالته المنظمة الإرهابية السرية، التي كانت تعمل من أجل جزائر فرنسية في حي الأبيار، وهكذا انتهت الحرب من أجل الاستقلال، التي دامت سبع سنوات، بشكل مأساوي بالنسبة لفرعون، قبل ثلاثة أيام من توقيع اتفاقية أيفيان، ودفن يوم 18 مارس 1962. ويذكر إيمانويل روبلس، وهو كاتب من الجزائر من أصل فرنسي، كان صديقاً لفرعون ودرس معه في معهد بوزريعة، كما قدم له دعماً ومساعدة ثمينتين، حين أجبره على «الشروع في الكتابة»، يذكر أن فرعون لم يكن إنساناً طيباً وهادئاً فحسب، بل أهم من ذلك مثقفاً« كان يقرأ أكثر منا جميعاً، وكان يلتهم الكتب ببساطة، كان يضمر الإجلال للكتاب الروس، ويحب فرنسيي القرن الثامن عشر، ثم بعد ذلك كشفت له الأمريكيين»5. وما يشهده على أن الكتاب الروس، كانوا من ضمن من أحبهم فرعون، كونه استهل أول تجربة أدبية له، وهي رواية« ابن الفقير» بكلمات انطون تشيكوف« سنعمل للآخرين الآن، وفي شيخوختنا من دون أن نعرف سبباً للراحة، وحينما تحل ساعتنا سنموت بخنوع، وسنقول هنالك في لحدنا بأننا تعذبنا وبكينا وتجرعنا المرارة، حينذاك سيهبنا الله من لدنه الرحمة». لقد كانت جمل تشيخوف، مفعمة بمعنى واقعي بالنسبة لفرعون، الذي كان يعي هكذا بالضبط مغزى وغاية إبداعه وعمله الصعب والنبيل لخير وطنه. يتبع/... |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 12:01 pm | |
| تـــابع :
كتب مولود فرعون في« ابن الفقير»، مبيناً كيف يتكون« الطبع الحقيقي» للرجل القبائلي، حيث يولد الطفل في هذه المنطقة، من أجل المعركة في سبيل الحياة. وتشكل فلسفة وحكمة الحياة وعاداتها ومعتقداتها وشعائرها القديمة ، ذلك العالم الخاص والأصيل الذي تمثله قرية تيزي، حيث شب ابن الفقير« فورلو»، وهي في الوقت ذاته ذلك العالم النموذجي لقرية قبائلية نموذجية. وهذا العالم لا يزال في الرواية يحيا أساساً وفق سنن موروثة من الماضي البعيد، حيث تسود أخلاق وأنماط حياة الأجداد، وحيث لا يزال كل واحد يؤمن بالقدر. غير أن الشكل الثاني من الصراع هو صراع من أجل إجادة لغة غريبة وثقافة غريبة، والدراسة في ثانوية فرنسية حيث يشعر دائماً بنفسه غريباً، ويشعر بالخوف من الطرد بسبب إخفاق عارض ويصمم« فورلو» على لقاء هذا العالم الذي يجهله، وهذه الحياة الغريبة عنه:« وحدي، وحدي في هذه المعركة الرهيبة التي لا ترحم...»6. تعتبر رواية ابن الفقير إلى حد بعيد سيرة ذاتية، تصف طفولة الكاتب ومراهقته، كما تغطي الرواية السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، لتصل نهاية العشرينات. وتناول فرعون في رواية« الأرض والدم» أول مرحلة من عملية هجرة شمال أفريقيا للعمل بسبب الوضع الشاق للعمال والفلاحين في المستعمرات، التي بدأت بشكل مكثف من العشرية الأولى من القرن العشرين. وإذا كانت الهجرة الاضطرارية مرتبطة في البداية بالمعاناة الشاقة لفراق الأرض الأصيلة، فإن الأمر أصبح شيئاً فشيئاً عادياً، أملاً في الكسب السهل في فرنسا. وحدث أن العودة إلى القرية كانت مرفوقة بصدمة نفسية, فقد كان الإحساس بالفرق بين العالم المهجور –عالم الغرب- والعالم التقليدي- الوطن- وهكذا يعود عامر في رواية« الأرض والدم» إلى موطنه رفقة زوجته الفرنسية الشابة، بعد أن اشتغل سنوات عدة في فرنسا، وجرب كل أنواع الحرمان، التي كانت من نصيب المغتربين في أوروبا، لكنه لا يستطيع مدة طويلة، أن يتأقلم مع حياة قريته الصغيرة، التي بدت له متخلفة ومتوحشة، واحتاج إلى عامين كي يصبح قبائلياً من جديد، وكأنه لم ير الكثير في حياته، ولم تحنكه الصعاب، ولم يواجه الموت7. تقع أحداث الأرض والدم في الفترة الواقعة ما بين الحربين العالميتين، وتنتهي في عام 1930، ويفاجأ عامر بالحرب حالما يصل إلى فرنسا. ونشعر بأنفاس ريح التغيير، وريح التاريخ، ابتداء من الصفحات الأولى في رواية« الدروب الصاعدة»، التي تبرز ذلك العالم المنغلق، الذي لم يمسسه الزمن، وهو ينسف تحت هجوم العصر، وللطبيعة الشاقة والمأساوية أحياناً لتأثير هذا الصدام بين الجديد والقديم في وعي الناس وسلوكهم. والرواية دراما عاطفية، حيث نجد مثقفاً قروياً، منعزلا في قرية قبائلية نائية، ومنفصلاً عن العالم، وبعيداً عن التاريخ، نجده يكتب مذكرات لا حاجة لأحد بها في وقت يقوم فيه جميع المثقفين الجزائريين بالثورة، والرواية تصور حيرة وارتباك جيل نضج. ويستمر فرعون في الدروب الصاعدة، يصور عالم القيم القديمة المتفجر، في تغذية الأمل في الأشكال الإنسانية للتخلص من العبودية8. وتعتبر الدروب الصاعدة امتداداً للرواية الثانية، وإن كان هناك انقطاع في الوقت، حيث أن يوميات عامر ترجع في تاريخها إلى الخمسينات، وتعتبر بمثابة سنوات اليقظة بالنسبة للجزائريين، أي بداية الثورة ونهاية صدام الحضارات، وكذلك بمثابة بوتقة تذوب فيها خيبة أمل الإنسان الجزائري وسخطه وعدم رضاه. وسيظل فرعون ممثلاً نموذجياً لجيله، جمع فعلاً في ذاته« عالمين وثقافتين» ومثالاً للفنان المخلص والشجاع، الذي نجد في إبداعه أو محاولة جدية لتصوير حياة وطنه، وشعبه بموضوعية، وطرح المشكلات والمتناقضات التي زخرت بها مرحلة يقظة الوعي الوطني للجزائريين تلك المرحلة المرتبطة بالكفاح من أجل الاستقلال. يُتبع /... |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 12:04 pm | |
| تــابـــع:مولود معمري . . . الحنين المفقود ونهوض المنسي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وفي سنة 1952 نشر مولود معمري« الهضبة المنسية» كما نشر رواية« سبات العادل». وأعمال معمري تسير في خط متواز مع تطور الوقائع السياسية في الجزائر، فرواية « الهضبة المنسية»، تبتدئ وقائعها في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، لتصور الوضع في الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي، ويعبر الكاتب عن مآسي الشعب وأحزانه وبؤسه. إنها فترة اليأس والقنوط بدون إمكانية للعثور على حل، لأن الاستعمار لا يقدم حلولاً، وأيا كان الأمر، فإن بوادر الأمل بدأت تلوح، كنتيجة للتغيرات التي طرأت على الوضع السياسي في الجزائر9. أما رواية«سبات العادل»، فتأخذ البطل ارزقي إلى داخل المجتمع الغربي، وهو مشبع بالآمال والتوقعات العظام، بيد إنه سرعان ما يرفض، فيخرج من التجربة وهو يشعر بالمرارة، وكأنه يسير في الفراغ. يعتبر ارزقي واحداً من الذين داروا حول الحلقة في جميع مراحلها؛ فقد بدأت رحلته في المدرسة الفرنسية في قرية جزائرية، وفي هذه المدرسة تعلم كلمات مثل: المساواة، العدالة، الإنسانية. وكانت حياة المدرسة بالنسبة لارزقي تجربة مريرة، ولكنه لم يعترف بما قاساه آنذاك إلا بعد مرور فترة طويلة عليها. فقد لاقى صعوبات بالغة في تعلم مواضيع عسيرة بلغة أجنبية، بل والأكثر من هذا فقد كان منبوذاً10. ولكن اعتزازه بما حققه من نجاح في مدرسته دعم جهوده الضخمة، وساعده على تخطي التجربة، وكان هناك أيضاً إيمانه بالعلوم التي تعلمها، فقد استوعبها جيداً لدرجة ملكت عليه كل مشاعره وكل شيء حوله، وقد أرد أن يعرف شعبه أفكاره، ولا يتردد بأن يبوح بما عنده في أول فرصة تتاح له. ويحدد مواقف ارزقي مرحلة جديدة من العلاقة بين الأب والابن، بحيث إن التعدي على سلطة الوالد، تعتبر بمثابة الخطوة الأولى الهامة، نحو إضعاف الروابط العائلية، ومن ثم تفكك المجتمع الجزائري. ونشر رواية« العفيون والعصا» سنة 1965، التي تمثل ظاهرة بالغة الأهمية في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية في عهد الاستقلال، وهي أول نتاج أدبي عن الثورة الجزائرية، ألفه كاتب ظل وفياً لمبادئ إبداعه الباكر قبل الحرب، وليس صدفة أن ينشر معمري روايته هذه بعد نهاية المرحلة التاريخية التي يصفها، ذلك أن الكاتب يفضل اتجاهات الواقع، التي تحددت وبرزت بوضوح وليس تلك التي ما زالت في طور الارتسام. ومع ذلك فلا ريب في جدة الموضوع الذي اختاره، ولا يتخلى الكاتب عن السرد التوسعي في الأغلب، ويسعى إلى بحث وضع الأمة، مصوراً وعي الفئات الاجتماعية، الوعي الناقد،الذي يجسده البطل الرئيسي الطبيب البشير، والوعي الدوغمائي. وما يثير الاهتمام هو أن معمري، يصور البطل رمضان، الذي غادر في طفولته مسقط رأسه، وراح يدرس الكتب بلا انقطاع في خلوة، عند عمه الذي يقطن المدينة، أين أصابه السل، يصوره فاقداً لطبقته، ومضيعاً لروابطه بالأرضية الطبيعية. ولعل هذا هو سبب فراغه الروحي المتميز، وقد أشار الكاتب إلى أن رمضان« كان يحب أن يماثل نفسه بمن يسميهم الشعب» ملمحاً بذلك إلى الطابع الاصطلاحي لهذا المفهوم على لسن بطله»نحن غير متعلمين»، هكذا سمى رمضان نفسه في رسالة إلى بشير11. من المنطقي أن تثقل الحرية كاهل أبطال معمري، وتبدو التهدئة النفسية لرمضان حين زج به في المعتقل. ويستخدم معمري مراراً في روايته أسلوب دحض الرأي الذي يتشكل في البداية عن هذه الشخصية، أو تلك في محاربته لأية أحكام قبلية. وهكذا فمن بين شخصيتين متعارضتين: العادل رمضان، وبشير الذي يظهر في البداية أنانياً مخنثاً، يتضح أن البطل الإيجابي هو بشير بالذات، وعلى امتداد تطور الرواية، تبرز الكثير من شخوص المؤلف أفضل مما كنا نتوقع. وتكمل عضوباً الخلفية الشعبية للرواية، التي تشكلها صورة حياة الجماعة الفلاحية في عهد الهزات الرهيبة، صورة البطل المركزي بشير، الذي يبحث عن الحقيقة لخير المستقبل الوطني. إن تصوير الارتباط العميق لشخصية تقدمية مفكرة بالكل الشعبي في رواية« العفيون والعصا» يحدد المغزى الاجتماعي لهذا الأثر الأدبي البارز. فالرواية تعنى بحرب الاستقلال ذاتها؛ بمحاسنها ورعبها بأصدقائها وأعدائها. ـــ يُتبع /... |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 12:09 pm | |
| تابـــع :محمد ديب. . . طواسين النبوءة والزلزال الكبير . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ونشر محمد ديب« الدار الكبيرة» سنة 1952، وفي سنة 1955 أضاف لها الجزء الثاني من الثلاثية« الحريق». ويعد محمد ديب رائداً للرواية الجزائرية الحديثة المكتوبة باللغة الفرنسية، امتصت هموم الإنسان الجزائري، الذي كان الشعر والأدب الشفهي عامة هو زاده الروحي الرئيسي. وتأتي ثلاثيته في مقدمة الأعمال التي تؤرخ لمولد الرواية الجزائرية، وكما مثلت سيرة شخصية لصاحبها، مثلت« مذكرات الشعب الجزائري» هكذا وصفها أراجون، أو هي الجزائر نفسها كما قال معظم النقاد، فهي تتناول حياة العمال في المدينة، وحياة الفلاحين في القرية، وتنتهي إلى« أن النار قد بدأت ولن تتوقف أبداً. إنها تستمر مشتعلة ببطء وبعماء إلى أن تعم ألسنتها الدموية البلاد كلها بحرارتها المدمرة»12. وبصورة عامة لا تخرج الدار الكبيرة عن أطر تقاليد الكتابة عن العادات التي يمثلها معمري وفرعون أحسن تمثيل، وقد صور ديب في هذه الرواية الحياة اليومية لحي في المدينة، من خلال إدراك طفل يكون العالم بالنسبة إليه جديداً وممتعاً، برغم جوانب الحياة المأساوية؛ من بؤس وجوع وعسف السلطات الاستعمارية، كما أن أسلوب الرواية أكثر حداثة من أسلوب فرعون ومعمري، فهو وجيز ومعبر، وفي الوقت نفسه فإنه مشبع بالمشاهد المطولة، تلقي بعض الظلال بشكل غير مفيد، على مقاطع تمثل نموذجاً رائعاً في الوضوح، وتتعاقب شاعرية خفيفة مع نزعة طبيعية. ويخلف الإحساس باليأس والخوف الصوفي الإدراك المادي الجلي للعالم. ويتابع ديب في الثلاثية رصد سيرة بطله« عمر»، ويقرر أن يضيف إلى قصته المتواضعة معلومات اجتماعية مستفيضة، عن طريق التصريح وليس التعبير، ملمحاً بذلك إلى المعارك الطبقية القادمة، وإلى دور العمال البارز، وواعداً بتحولات اجتماعية قريبة. ويفقد بوضوح ديب، الذي وقع تحت سطوة القالب الذي استعاره من الروائيين الفرنسيين المعاصرين، اهتمامه بالبطل نفسه، وتتحول قصة حياة عمر وعلى الأخص في النول إلى تراكم لتفاصيل صغيرة وشاحبة، ينضفر منها نسيج الرواية الطويل وغير المعبر. ولم يتح لعمر رغم أنه كبر أن يصبح راشداً فيفقد تدريجياً ليس السمات الشخصية لطبعه فحسب، لكن كذلك كل ميزاته الفردية. حقاً إن فقدان البطل في« الحريق» يعوض لحد ما، بتصوير شاعري لرحاب الريف الجزائري وسكانه، الذين يحملون فكرة ضرورة الكفاح من أجل مستقبل أفضل. تتوقف الثلاثية عند أعتاب« النبوءة» بما سيكون، تاركة ما كان إلى روايته، التي صدرت عام 1959 تحت عنوان« صيف إفريقي» وتتميز هذه بإحكام فني شديد، يتجاوز به ديب حدود الزمان والمكان، يواكب الثورة الجزائرية التي اندلعت، ويعمد إلى اختيار نماذجه من« الجزائر» كلها؛ يختار التاجر وصاحب الأرض والموظف الصغير، والطالبة والخادمة والفلاح، يختار أيضاً الثوري والخائن والمتردد، ويختار« فرنسا» بكل ما يمثل استعمارها من قيم تخون الثورة الفرنسية يختار لها وجهها الهمجي المتوحش، الذي يعبث بكل قيمة. لا يعمد ديب في بناء «صيفه الإفريقي» إلى العقدة الكلاسيكية بل ينسج بناءه الفني من الشخصيات13. لقد كانت رواية« من يذكر البحر» 1962 انقلاباً جمالياً جزائرياً، تولد عن خروج ديب من عباءة بلزاك من أجل صياغة طرق كتابة رؤيوية جديدة، قائمة على الحكم كبديل للواقعية والتوثيقية، كان دخول الرواية ورشة الأحلام مع ديب، أنقذ المتن الجزائري بالفرنسية من إيديولوجية« كالوظيفة» وأدخل الروائيين في مغامرة مع العالم والكتابة. تدخل ديب بجرأة إشكالية حديثة. وتسحق هنا تماماً المقولات الكلاسيكية للتمثيل الروائي، التي كانت سائدة في الثلاثية: زمن خطي ذو اتجاه واحد يرسم منحى مصير، شخصيات تتوافق مع نماذج اجتماعية، وصف ذو وظيفة درامية وقيمة أخلاقية، حبكة تنظم القصة، رؤية موحدة للمؤلف –الرواية الكلي- المعلم. إن الوظيفة الاتصالية التي يقيمها الراوي من خلال نصه، مع المتلقي المفترض تغير شكلها ووظيفتها، فمن وظيفة موجهة جوهرياً إلى القارئ قصد التأثير عليه، تكتفي من الآن فصاعداً بأن تقترح عليه مشاركة في البحث عن معنى. وفعلاً فتجربة الحدود التي يخوضها المؤلف، يخدمها السحري على طريقة كافكا، الذي يعالج اللامعقول كجزء من الحياة، حياة كابوسية، وتغزو الكثير من أساليب العجيب والسحري هذه القصة الخيالية، التي تنبذ الواقعية وتبعد المرجع الاجتماعي الرمزي ، ما هو إلا نتيجة لعمل نصي يأخذ المعنى المجازي بكل حرفيته، ويعرف تطورات غير متوقعة، لكنها تخضع لمنطق معين. رواية« من ذا يذكر البحر» وعن طريق نفس عملية استغلال استعارة التوحش بالمعنى الحرفي، شخصيات أسطورية تمثل غزاة المدينة القديمة. ومنذ ذلك الوقت فمن الطبيعي أن يصبح الصراع القائم بين حماة البناءات الجديدة وسكان المدينة القديمة ضرباً من السحر، يحتفل به سرياً من خلال طقوس مؤذية، صحبة جوقة من الكلاب والانفجارات المرعبة14. إنها إرادة الاكتشاف وانتزاع الفنان لمكانته الخاصة في جوقة الأدب العالمي، التي تدفع هذه الانعطافة في جماليات محمد ديب. ولهذا السبب يرافق هذه المحاولة الجديدة عمل فكري حول الأدب، وتشاطر بذلك اهتمامات موجة الرواية الجديدة، التي كانت تحتل آنذاك مقدمة الساحة الأدبية في فرنسا. لكن لا ينبغي الخلط بين مقاصد المؤلف وشكلانية معاصريه الفرنسيين، فهو يعبر قصداً عن رؤية للعالم مختلفة في جوهرها عن رؤيتهم، ومن وجهة النظر هذه أعلن ديب عن انتقاله إلى رؤية جديدة للعالم في ذيل روايته« من يذكر البحر»، وقد صيغ وداع الماضي في هذه الرواية أكثر صراحة، ويتخلى عن المنهج الذي يسمى واقعياً، ويعلن سطحيته وعجزه عن إنارة الهوة المظلمة بأضواء كاشفة، كما يتخلى عن تثبيت الأحداث، وتصوير الحياة المحسوسة والصدق، ويعتبر أن مهمة الفنان هي نقل الهلوسات والنزوات الباطنية، التي تعبر عن وجهة نظره الحقيقي للإنسان، وتميز وضعه في العالم المعاصر15. فالرواية في« من يذكر البحر» يبرز أكثر من قلق ويستشف أكثر من خطر، يترصد مستقبلنا عن طريق البحث عن الحقيقة التي تميزه، ويحدد البحث الذي يقترحه النص مثلاً في مجالين مفضلين، هما التصوف وانعتاق المرأة، وكذا الصراعات الإيديولوجية في جزائر ما بعد الاستقلال. تريد« الرواية الجديدة» لمحمد ديب بالضبط تجاوز حدود تقاليد« الواقعية» وهذا يقود المؤلف قبل أن يحكم طلقته، إلى تفضيل اللامعقول أساساً، وإلى إنتاج رؤية شبه فصامية للواقع المؤسس على تفرغ ثنائي أساسي بين الإنسان والأشياء. والواقع أن الجنون الذي يتحكم في العالم في زمن الحرب، يمكن أن يضفي مصداقية معينة على رؤية كهذه. فبينما تستسلم المدينة ظاهرياً للعمى العبثي لعنف بلا رحمة، يظل الأبطال الإيجابيون يتمتعون بصحو يأتيهم ليس من فهم عقلاني للأحداث، لكن من معرفة خفية نقلت عبر مسالك غامضة، تظهر في أثناء احتفالات يتعذر شرحها. ويقيم هذا الرمز، الذي يعده العمل الأدبي جوهرياً، صلة سحرية بالعالم الذي يربط من جديد، وراء العقلانية اللائكية للمثقف، الذي كونته المدرسة الفرنسية بالروحانية، التي تسبح فيها السلوكيات الشعبية لمواطنيه، ومن هذا الجانب الصوفي الذي يستغله عمل الكتابة, وهذا الغموض في المعنى واستعصاء فهمه في المجال الديني، يلتقي بنفس المفترض في المجال الجمالي، ويساهم في دعم العالم الأسطوري، الذي يقترحه عمل محمد ديب الأدبي كحاجة عن التساؤل السياسي والوجودي16. ويصبح من الآن فصاعداً هذا الانتباه إلى الظاهرة الصوفية والباطنية بعداً جوهرياً لنص محمد ديب الروائي. وفي« رقصة الملك» يتحول إلى عنصر للتأمل، يعيد رضوان بواسطته تشكيل وجوده المهدد بالانفصال والانطواء ويتطور في رواية« الله في بلاد البربر»، حيث تطرح« خصوصية» الشعب الجزائري. والواقع أنه ليس من المهم بالدرجة الأولى أن يكون تمفصل السياسي والأسطوري مثلاً في مؤلفات محمد ديب، صحيحاً من وجهة نظر التحليل التاريخي الدقيق للظاهرة، ما دام الأمر يتعلق برؤية أصيلة متوقفة على مكانة محمد ديب الخاصة جداً، في المجتمع كفرد وكاتب في آن واحد. ومن هذه المكانة يعالج محمد ديب المسألة النسوية، التي مثلها مثل المسألة الدينية، لا يمكن لأي نقاش أو تفكير في المجتمع الجزائري المعاصر أن يتفاداها. وكان من اللازم انتظار« رقصة الملك» للعثور على بطلة: إنها عرفية المجاهدة القديمة في حرب التحرير، التي تؤكد نفسها على ساحة النص كموضوع فردي مستقل، وتكون صورتها سليمة من أي ابتذال. وهي نظرة تجمع بين التسامي بالمرأة وبغضها. وعرفية مثلها مثل نفيسة، التي تنتمي على الأقل إلى عالم خيالي، فهي مصداقية ليس باقترابها من الحقيقة، لكن بحقيقتها كتجسيد لتطلعات الانعتاق النسوي17. تأثر محمد ديب بعيد بالكاتبة« فرجينا وولف» ولا سيما بكتابيها« الأمواج، وإلى المنارة» وأن وسيلة تيار الوعي لهذه الكاتبة هي التي تركت صداها العميق في روايته «رقصة الملك» فنرى شخصيات تلك الرواية تثير التساؤلات حول سخافة الحياة، وتتأمل مرور الزمن معبرة عن رغبتها بإيقافه، مثلما تفعل شخصيات رواية«الأمواج» ورضوان هو الشخص الذي يجسد هذا الموقف من خلال إثارته ذكرى حياته الماضية. وتساؤلاته حول المستقبل. وقد تعرف ديب قبل تأثره بوولف على الكتاب الفرنسيين، وكان شعراؤه المفضلون«مالارميه وفاليري»، ومنهما استقى أسلوباً نقياً ميز شعره ورواياته18. وهذه المرحلة الثانية من إنتاج محمد ديب الروائي، هي إذن مرحلة يوسع فيها التماثل من الواقع، المبعد من خلال مزج الاصطلاحات الرمزية والأسطورية والواقعية، مشروع شهادته المؤرخة في الثلاثية، إلى مقصد أكثر شمولية وغموض. وفي الوقت ذاته يتمسك البحث الأدبي لمحمد ديب، بشحذ أداة روائية جديدة قادرة على ترقية تعبير متحرر من المتطلبات البلاغية واستغلال الوظيفة الخيالية. وهو المشروع الذي يستمر في« ركض على الضفة المهجورة» في شكل بحث سوريالي، متعمد يخلق ميثيولوجية شخصية قوية، تتخذ من خلال الإحاطة بالواقع صيغة ذاتية للغاية، ومنها استئناف وتطوير مشروعه الروائي بعد الاستقلال. يبرز كقطيعة مع المرجعية الاجتماعية التاريخية، وتجريب الأدب في بعده الخيالي الخالص. إن القاسم المشترك بين روايات ديب الأخيرة هو البطولة المشتركة، وبعض السمات الشاعرية المتشابهة، وقبل كل شيء المونولوج، أو الحوارث الداخلية لكثير من الأشخاص، التي تعبر عن وجهات نظر مختلفة حول طريقة إنقاذ البلاد، كما أن هناك أمراً مشتركاً بينها، هو بحوث الأبطال المولعة واصطداماتهم. منذ عام 1962، فاجأ ديب قرّاءه بتغيير مفاجئ في مسيرته الروائية، فقد أصدر روايته« من ذا الذي يذكر البحر» وكانت شبيهة بروايات علم الخيال –الواقعية الخرافية، التي التزم بها الكاتب طوال حياته الأدبية، حيث أصبحت رمزية غارقة في الغموض والشاعرية. في رواياته الأخيرة سما ديب بالثورة الجزائرية إلى قمة التصوف« الرمزي الخيالي»، صار الاستعمار آلات وحشية غريبة، كأنها تنزل من كوكب بعيد، وفي مواجهتها كان الثوار بشراً متمردين، يقاومون بأسلحة صغيرة لكنها سرعان ما تخرق الصمت، وتذيب صلب الآلات الوحشية. وبعد هذه الرواية واصل« تصوفه الخيالي» خاصة في« الجري وراء الضفة الأخرى» ورواية «سطوح اورصول». في هذه الروايات ظهر«أدب المنفى» واضحاً لدى الكاتب، والبطل ينتهي إلى العزلة التامة والضياع القاتل، وتنتهي رواياته بمونولوجاتها الطويلة المليئة بالأسئلة الثاقبة للذاكرة العائدة. فإذا كان ديب في رواياته الأولى يكتب عن العادات والتقاليد في الأغلب، فهو الآن يعمل مع أوهام الخيال، ويترك هذا التحول انطباعاً عن حيرة الفنان. إن هناك تناقضاً كبيراً في الإبداع السابق لمحمد ديب، ينبئ بتطوره المعقد، الذي ما زال مستمراً على ما يبدو إلى يومنا هذا19. ــ يُتـــبع /...
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 12:26 pm | |
| تابـــع :كاتب ياسين . . . « نجمة» الأسطورة والرمز: . . فإذا جاءت« البيت الكبير» كانت بشير مولود الرواية الجزائرية، فإن« نجمة» كاتب ياسين، تبرز من بين معظم المحاولات والتجارب، وبالرغم من كل هذا من تمزقات، تبرز دليلاً يقينيا على أن الرواية الجزائرية قد ولدت. وما جراحها إلا جراح الجزائر وعذاباتها. وتعد« نجمة» من أعظم منجزات الأدب الجزائري الحديث، كما يذهب النقاد الغربيون والعرب على السواء. وتنبع أهميتها في تقديرنا من أنها تجسيم بالحجم الطبيعي لرحلة العذاب، التي خاضها كاتبها ووطنه جميعاً. إنها تجسد شكلاً ومضموناً كافة مراحل التطور، ومختلف أشكال التناقضات واتجاهات الصراع ونتائجه، التي انتهت إليها الرحلة الدامية؛ إنها حققت درجة عالية من الوحدة الدينامية في العمل الفني، حتى أصبح من الصعب تصنيفها إلى شكل ومضمون، كما أنها حققت درجة عالية من روح الخلق حتى أصبح من العسير تصنيفها إلى خيال وواقع. تبنى كاتب ياسين موقفاً متميزاً في كتاباته، فهو يبحث عن الموطن الأم، مشخصاً إياه في شخص امرأة يسميها «نجمة» وتصبح الجزائر حقيقة مجسدة، وتكون نجمة بمثابة روح البلاد التي تسري والحادثة التي أثرت تأثيراً بالغاً على أعمال ياسين الأدبية هي مذابح سطيف، وكانت الكتابة هي الأسلوب النضالي الذي اختاره في نصرة القضية الوطنية الجزائرية. وتعتبر الجزائر بالنسبة للكاتب الينبوع الثري، الذي لا ينضب كمصدر إلهام فقد تناول تاريخها في أثناء الاحتلالين التركي والفرنسي، منشغلاً دائماً بوجود الوطن وبقائه. والشكل الفني في« نجمة» قريب غاية القرب من الفن التشكيلي، في أحدث مراحله، إذ هي تبدو كلوحة تجريدية، وبالتالي تخلو من البناء الكلاسيكي في أية صورة من صوره. يجتمع الماضي والحاضر والمستقبل في« نجمة» اجتماعاً حياً مشخصاً ماثلاً، لذلك فهي قد تتشابه مع قصة« الصخب والعنف» لفوكنر، أو قد تتشابه مع« رباعية الإسكندرية» للورانس داريل؛ من حيث أن لكل شخصية زمانها الخاص ورؤيتها الخاصة، التي أملت على كل من فوكنر وداريل، هذا التجديد في بناء الرواية الحديثة. تتشابه« نجمة» مع هذه الأعمال في انتساب الزمن إلى التكوين الداخلي للشخصية؛ تجسد تجربة بدايتها تمتد إلى الماضي السحيق، وتمتد نهايتها إلى المستقبل البعيد. تشكل شخصية« نجمة» البطلة المحورية، فهي ابنة الجميع وعشيقة الكل« هي روح الجزائر الممزقة من البداية، والمهددة بمختلف التوترات والتمزقات الداخلية« كما وصفها كاتب ياسين في بعض تصريحاته. هذه الروح هي الثورة والثورة هي التجربة، التي امتصت زمانها الخاص على نحو شديد التعقيد من الماضي والحاضر والمستقبل، فهي أشبه بالبناء الموسيقي، كما قال الناشر الفرنسي في طبعتها الأولى. إن التطور« اللولبي» للأحداث في نجمة، يذكرنا بمبادئ بنية روايات« فوكنر» ولعل هذه المقابلة لم تكن تخطر على بال أحد، لو لم يتحدث كاتب ياسين علنا وصراحة، عن حبه لفوكنر، وجيمس جويس، الذي أثر تأثيراً كبيراً في إبداع فوكنر، وهكذا فإن صلة الروائي الشاب بجويس وفوكنر، سمحت باستنتاجين وهما أن كاتب ياسين اقتبس البنية الزمنية من فوكنر، وتقنية تيار الوعي من جويس. يلجأ الكاتبان فوكنر وياسين إلى استعمال فقرات جديدة تمتد على صفحات عدة، بدون أية علامة ترقيم. وهناك تشابه يبدو أكثر وضوحاً في« ابسالوم ..ابسالوم» لفوكنر، و»نجمة» لياسين، خاصة في مجال العلاقة اللاشرعية، التي تنشأ بين بعض الشخصيات. ويظهر عدد من الأطفال غير الشرعيين في الروايتين. نجمة التي يتصارع الرجال ليس فقط على حبها، ولكن على إخضاعها أيضاً، وكذلك الحال مع« كليتمسترا وشقيقتها» في رواية فوكنر. وتشترك الروايتان في الغموض، الذي يكتنف أصل بعض الشخصيات. وهذه حقيقة تطبع جل شخصيات روايات ياسين، فبدون معرفة اسم عائلة الشخص يصعب معرفة أصله. وجو كلتي الروايتين يكتنفه غموض المصير، غير أن نجمة لا تحمل الروح الشيطانية الجهنمية، التي تحملها ابسالوم ابسالوم23. هذا وقد تأثر ياسين كثيراً بالشاعرين الفرنسيين« رامبو، وبودلير» ومن« الفراديس الزائفة» استقى ياسين فكرة« المرأة المتوحشة». وتجسد تيار الوعي في مذكرات مصطفى، وهذيان وحكايات رشيد، فقد كان يعكس أفكار وأحاسيس المؤلف، وساعدته هذه التقنية على خلق تنويعات شعرية، توهم بالامتلاء العاطفي الغنائي الذاتي. وتطرح إمكانية فهم الحاضر من خلال استرجاع الماضي، وبعث الأسطورة القديمة، التي تساعد على العودة إلى نقطة البدء، وهكذا فمن ضرورة الصلة بين الحاضر والماضي، ولدت بريشة كاتب ياسين قد تخيلها هو جزئياً، وأخذها في الأساس من خرافات الأجداد، قصة الجد الأكبر« كبلوت»، زعيم قبيلة بدوية عريقة، قدمت إلى الجزائر في عهود غابرة، من مكان ما من الشرق العربي، واستقر أحفاد «كبلوت» في الناظور بالقرب من قسنطينة، وقاوموا ببسالة أجيال متعددة من الغزاة. وهكذا استمر الأمر حتى الفرنسيين، لكن القبيلة لم ترضخ لهم24. استعملت« نجمة» مادة الأساطير على مستويين متداخلين؛ الأول مادي ويخص تقاليد المقاومة عند الكبلوتيين، والثاني رمزي فلسفي، ويخص الحب القاتل للرفاق الأربعة لنجمة التي هي ليست امرأة فاتنة فحسب، وإنما هي رمز للوطن الرائع والمعذب بتاريخه البسيط، والمأساوي على حد سواء. ـ يُتبع /.. |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 12:30 pm | |
| تابـــع:
كان جيل 1952 الأدبي: محمد ديب (بلزاك الجزائر)، وكان كاتب ياسين (جيمس جوس، أو دوس باسوس)، وكان مولود فرعون، ومولود معمري (تولستوري) وكان مراد بوربون (غوركي) لقد كانوا جميعاً وهم يستندون إلى قيم الآداب الإنسانية وإلى قيم الحرية يشيدون تقاليد القطيعة الجمالية والفكرية، مع أدب التحقير والغرابة والإنسانوية الغامضة. فبالرغم من لحظات اليأس، التي كان يصاب بها مالك حداد مع غيره من الكتّاب الجزائريين، أو كما سماه« اليأس الفني»، إلا أن كتاباتهم لم تصب بأي مرض من الأمراض، التي أصيبت بها بعض المدارس الغربية، التي سقطت في الإغراءات الشكلية المميتة، فلم يحاولوا البحث عن ذواتهم داخل الفراغات المغلقة، ولم يقتلهم القلق ولا التهويمات الميتافيزيقية الغامضة، فكل شيء كان بالنسبة لهم واضحاً، فالثورة الشعبية الكبرى وهناك أمور أخرى منعت هؤلاء الأدباء من السقوط في حبائل الاستعمار وإغراءاته، وعلى رأسها واقعهم الاجتماعي والطبقي، فكلهم من أصول طبقية فقيرة، ومهضومة الحقوق. نجد مثلاً كاتب ياسين، الطفل الفقير قد احترف الصحافة واشتغل عاملاً في الموانئ وفي الزراعة قبل أن يمارس الكتابة. وبالمثل محمد ديب اشتغل في معامل النسيج في تلمسان، وفي أقبيتها الباردة، ثم عمل محاسباً ومعلماً فصحفياً. هذه التجارب المرة هي التي جعلت منه أديباً مبدعاً، وثوريا وفناناً يغمس ريشته ريشة الرسام الصادق في الدم والعرق والعذاب والجنون، والحكمة والتمرد، والمرض والتناقض والثورة، فيخرج منها ألواناً يصبغ بها لوحته25. لقد كانت استراتيجية الكتابة في ظل المدرسة الوطنية للآداب، هو أن يكون الأدب وسيلة للكفاح، لإعادة القيمة لذات منكسرة، مهزومة ومهمشة، إنها كتابة أهدافها تحويل المركز إلى الهامش والهامش إلى المركز. إن الروائي رشيد بوجدرة في« التطليق» وفي« ألف وعام من الحنين»، والطاهر جاووت في« الباحثون عن العظام» مارسوا عملية إثراء تقاليد الكتابة الروائية عند محمد ديب، وكاتب ياسين فيما يتصل بالاستراتيجية توليد الأحلام. وعلى الرغم من الإحالة على الواقع والتاريخ والأتوبيوغرافية في نصوص بوجدرة، إلا أن الكتابة كانت هي المركز والواقع هو الخطوة الثانية. ومع تعميق هذا الجانب كان الجزائريون يؤسسون نصاً للحيرة وحيرة للنص. ــ يُتبـــع/... |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية الأحد 28 أكتوبر 2018, 12:35 pm | |
| تابـــع :الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي والمأزق الحضاري: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إذا كان الكتاب الفرنسيون في العهد الاستعماري قد جاءوا إلى الجزائر أو ولدوا فيها، فأسسوا تقاليد جمالية لأدب كولونيالي، فإن أسماء كثيرة رحلت إلى الغرب، كي تكون هي العين التي تعيد لهؤلاء ما فقدوه على الأقل على مستوى الكتابة. تمثل الصحراء كفضاء مبهر للآخر حضوراً عنيداً في رواية التسعينات، وأسماء لأسماء قديمة أو لأسماء الجيل الجديد. إنها سند عناوين الإثارة في القراءة الأوروبية. فمن طاهر جاووت إلى رشيد ميموني إلى آخر رواية لمحمد ديب، مثلت الصحراء استنهاضاً لذاكرة الأوروبي في المغامرة، استنهاضاً لتاريخه ولأحلامه، وأحلام الأجداد الذين انهزموا36. بقي معظم الكتاب الجزائريين يكتبون باللغة الفرنسية، بسبب الولاء المزدوج لحضارتين وثقافتين، ولكن بعضهم قد اختار العيش في فرنسا كل الوقت أو بعضه، مثل محمد ديب وكاتب ياسين. بل أن الذين بقوا في وطنهم ظلوا متمزقين أيضاً، وأرادوا أن يمزقوا معهم شعبهم، ويحدثوا في وسطه البلبلة الثقافية وزعزعة الولاء الحضاري، أمثال مولود معمري، فكأن بقاءهم فيها إنما هو لغرض القيام بمهمة خاصة، تخدم المصالح الاستعمارية التي عجزت عن تحقيقها مباشرة سواء أرادوا هم ذلك أم لم يريدوه. ونلاحظ ان الكتاب الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية، قد تمتعوا بحرية الحركة أكثر من الفرنسيين في اختيار الأجناس الأدبية والموضوعات والتقنيات، فهم خلافاً للفرنسيين أقل ارتباطاً بالتقاليد الأدبية. وكما يتوقع المرء، فإنهم قد أعطوا تركيزاً أكثر للرواية كما هي، باعتبارها الجنس الأدبي الطاغي في القرن العشرين. وعلى العموم فإنهم قد منحوا الأدب الفرنسي المعاصر دماً جديداً وقوة جديدة بالطريقة نفسها التي أنعش فيها الأدب الأمريكي منذ وقت غير بعيد، الأدب الإنجليزي المعاصر. إن كتاب شمال أفريقيا قد أعطوا قوة للثقافة في وجوههم الجديدة. وهم أقل اهتماماً بالفحص الداخلي، كما يفعل المؤلفون في فرنسا نفسها، ولكنهم أقوى نبضاً نحو التسامي البطولي. إن كتاب شمال إفريقيا غير الفرنسيين، يشتركون في عدد من الموضوعات: الهجرة إلى فرنسا بسبب كثرة الولادات والفقر في الجزائر، والصراع الطبقي في شمال إفريقية، سواء بين المجموعة العربية نفسها أو بين العناصر الشمال إفريقية والأوروبية. وكذلك المعركة بين القديم والجديد، وبين التقدم والتقاليد، يضاف إلى ذلك التنازع العرقي والديني بين مختلف المجموعات والأعراق والأديان التي تتعايش في شمال إفريقية مثل: أهل البدو والحضر والعشائر الحضرية، والفلاحين وسكان المدن والبربر والعرب والأوروبيين، وأخيراً اليهود والمسلمين والكاثوليك. ومعظمهم يعرفون فرنسا جيداً، حيث عاشوا فيها في أثناء مناسبات عديدة؛ إما للبحث عن عمل لم يجدوه في مسقط رأسهم، وإما لمواصلة دراستهم بعد اكتشافهم للثقافة الغربية في المدارس الفرنسية في بلدانهم الأصلية، وإما في أثناء خدمتهم العسكرية، أو في أثناء مسيرة الحرب العالمية الثانية. وتعتبر أحداث العقدين الماضيين مهمة بالنسبة لتاريخ شمال إفريقية، عندما انفتحت أبواب المنطقة على مصراعيها للتأثير الأجنبي، ولا سيما الغربي منه ثم حل التأثير المشرقي في عهد لاحق. كما أن معظم هؤلاء قد جربوا حظهم في الصحافة التي عاونتهم كثيراً على تنمية علاقتهم بالغرب –وخصوصاً فرنسا- وعلى ابتعادهم شيئاً فشيئاً عن ثقافتهم الأصلية. وغالباً ما كانت أولى محاولاتهم في ميدان الأدب، هي كتابة السيرة الذاتية حيث يبرزون فيها ازدواجية الولاء لعالمين مختلفين كما يبرزون معاناتهم عندما يجدون أنفسهم بعد ذلك عاجزين على إيجاد مكان لهم في كلا العالمين37. وهكذا استمر معين الروائيين باللغة الفرنسية، يغذي القراء حتى أيامنا هذه. وإن كانت ظاهرة التعريب قد دفعت بعض الروائيين إلى التوقف عن الكتابة باللغة الفرنسية، فبادر مالك حداد إلى التوقف عن الكتابة منذ فجر الاستقلال، تمشياً مع المبادئ التي كان ينادي بها أثناء الثورة، نتيجة إحساسه بالغربة الخانقة في اللغة الفرنسية, أما من استمروا في الكتابة باللغة الفرنسية مثل محمد ديب، فقد اختاروا الهجرة إلى فرنسا وفضلوا الغربة. وهناك من اختار طريقاً وسطاً مثل« كاتب ياسين» الذي اتجه نحو المسرح الناطق بالعامية الجزائرية المطعمة بالفرنسية. كما يلاحظ أن بعضاً من هؤلاء اتجهوا إلى ممارسة الكتابة باللغة العربية واستطاعوا أن يقدموا أعمالاً روائية يمكن أن نعتبرها مشروعاً لحركة الحداثة الروائية في الجزائر، نذكر منهم رشيد بوجدرة. ـــ انتهى ــ منقول للإفادة |
| | | | وقفة مع الأدب الجزائري باللغة الفرنسية | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|