عيوب القافية،
الإقواء: وهو اختلاف حركة الرّوي (التّنوينية)، كأن يكون الرّويّ في بيت مجروراً، وفي آخر مَرْفوعاً، نحو قول النّابِغة الذبياني (من الكامِل):
أمِن آلِ ميّة رائحٌ أو مُغْتَدي... عَجْلانَ ذا زادٍ وغيرَ مُزَوّدِ
زَعَم البوارِحُ أنّ رِحلَتنا غداً... وبِذاكَ خَبَّرَنا الغُرابُ الأسْوَدُ
وقيل: وهو أكثَر العيوب انْتِشاراً في الشِّعْرِ القَديم.
الإصْراف: هو اخْتِلاف حَرَكة الرّويّ بالفتح مع الضّم أو الكَسر، نحوَ قولِ الشّاعِر من البَسيط:
أطْعَمْتُ جابانَ حَتّى اشْتَدّ مغْرِضهُ... وكادَ ينقَدُّ لولا أنّهُ طافا
فَقُلْ لِجابانَ يَتْركنا لِطَيّتهِ... نوم الضّحى نعد نوم الليل إسرافُ
أو قول الآخر (من البسيط):
لا تَنْكَحَنَّ عجوزاً أو مُطَلّقةً... ولا يسوقنّها في حبلكَ القَدَرُ
فإنْ أتوكَ وقالوا إنّها قَدَرٌ... فإنّ أطيَبَ نِصْفَيها الذي عَبَرا
الإكفاء:
هو اختلاف حروف الرّوِيّ ذات المخرَج الواحِد، أو المتقارِبَةِ المخرَج، نحو قول الرّاجِز:
إذا نزلْتَ فاجْعَلاني وَسَطا... إنّي شَيخٌ لا أطيقُ العَنَدا
فقد جاءت كَلِمَتا "وسطا" في عَروض الشطر و"العَنَدا" في ضرب العجز متطابقتا المخارِج، لكن قافيتهما مختلفة. لذلك أقول: هذا يأتي في البيت المُصَرَّع، أي إذا أراد الشاعِر كتابة (أوَّل) بيت في قصيدته "مُصَرَّعة"، وَجَب عليه/ها إذ ذاك كتابة قافيتا العروض كما الضّرب، بمخارجيهما وحرف قافيتهما، لا حَرْفاً مشابِهاً.
وقد أجازَ العروضيون كتابة جميع الأبيات بهيئة التَّصريع، فيكون كل بيت قافية عروضه كقافية ضَرْبه، مع إجازتهم لها/ا كتابة قافية جديدة، يختارها الشاعِر/ة في كل بيت، لكن مع شرط التصريع الذي ذَكرناه أعلاه.
الإجازة: هو اختلاف حروف الرّويّ مع تباعد مخارِجها أيضاً؛ وُسَميت أيضاً: "الإجازة" بِمعنى التّعَدي، كما سَمّاها بعضهم "الإعْطاء"، لأنّ الشاعِر أعْطى الرّوِيّ ما لا يَسْتَحِقّهُ من الحروف، نحوَ قول الشاعر (من الطّويل):
خَليليَّ سيرا واتْرُكا الرَّحْلَ إنّني... بِمَهْلَكَةٍ والعاقِباتُ تَدورُ
فَبيناهُ يَشْري رَحْلَهُ قال قائلٌ... لِمَن جَمَلٌ رَخوُ المَلاطِ نَجيب؟
الإيطاء: هو أن تتكَرّر القافية في قَصيدة واحِدة بِلَفْظِها ومعْناها من غير فاصِل أقَلّهُ سَبْعةُ أبياتٍ، نحوَ قولِ الشاعِر من السَّريع:
قامَتْ تهادى طفْلَةٌ جلَّلَتْ...هودجها بالرّقم والعَقْلِ
تَفْتِنُ بالألحاظِ أهْلَ النُّهى... وَتَسْتَبي بالغُنْجِ ذا العَقْلِ
قُلْتُ لها جودي لِذا صَبْوَةٍ... أصْبَحَ للشَّقوَةِ في عَقْلِ
ملاحَظة: قد يأتي الشاعِر ببيتين يَحْملان نفس الكلمة لكن بِمَعان مُخْتَلِفة، : ذَهبَ وهو معدن نفيس أصفر بَرّاق، وقافية في بيت آخر تكون ذَهَب بمعنى رَحَل، وهذا جائز كُلِيّاً، وميزة هامة في الشاعِر.
سِنادُ التأسيس: وهو أن يجيء بيت مُؤَسّس وبيت غير مُؤَسّس، نحوَ قولِ الشاعِر (من الطّويل):
لَعُمْري لَقَد كانت فجاجُ عَريضة... وليلٌ سخامِيّ الجناحَينِ أدْهَمُ
إذ الأرْضُ لَم تَشْهَد عَليّ فروجها... وإذ لي عن دارِ الهوانِ مَراغَمُ
حرف الألف هو سناد التّأسيس، فإذا كانت إحدى كلمات القصيدة تحتوي على سناد التّأسيس، فينبَغي أن تكون جميع كلمات القوافي في الأبيات بِسناد التأسيس، وهذا ينطبق على البيت المُصَرّع. لكن في البيت المُصَرّع، يبدأ الشاعِر أول أبياته به، فقط، أما باقي الأبيات فعادية. كما يُمكِنُه/ها كتابة بقية أبيات قصيدته على هيئة التصريع أيضاً، فإما يكون بيتاً واحداً مطلع القصيدة، أو جميعها، من أجل جمال موسيقية قصيدته/ها الآتية بصيغة شعر عمودي.
سِنادُ الحَذوِ: هو إرْدافُ قافِيَة، وإهمال أخرى، فإنْ كانَ ضَمّهُ مع كَسْرَة لم يَكُن عَيباً نحو قول عَمْرو بم كلثوم (من الوافِ):
ألا هُبّي بِصَحْنِكِ فاصْبِحينا... ولا تُبْقي خمورَ الأنْدرِينا
نَزَلْتُم مَنزِلَ الأضيافِ مِنّا... فاجْعَلْنا القُرى أن تَشْتُمونا
فتأتي كلمات القوافي عند تغييرها قبل حرف الرّدف، مكسورة ومضمومة حسب اختيار الشاعِر وفق السياق النّحويّ الصّحيح. أما حركة النصب فغير وارِدة. كذلك الرف في حال التغيير يأتي واو وياء كلٌّ في بيت.
أمّا العَيب فَيكون بين الفَتحِ من جِهَة وبينَ الكَسْر والضّم من جِهَة أخرى، نحوَ قولِ عَمرو بم كلثوم (من الوافِر):
عَلينا كُلّ سابِغَةٍ دَلاصٍ... تَرى لَها فوقَ الّنّطاقِ غُضُونا
كأنّ غُصونهنّ مُتونُ غُدْرٍ... تُصَفّقُها الرّياحُ إذا جَرَينا
نرى في البيتين الأخيرين أنه قبل حَرف الردف- أي حرف المَد، جاءت الضاد مضمومة في غضُونا و منصوبة في البيت الذي تلاها في كلمة "جَرَينا" فهذا لا يجوز.
سِنادُ الرّدف: هو أن يجمع الشاعِر بين قافية مُرْدَفة وأخرى غير مُرْدَفة نحو قول الشاعِر (من المتقارب):
إذا كنتُ في حاجَةٍ مُرْسلاً... فأرْسِل حَكيماً ولا توصِهِ
وإن ناصِحٌ مِنكَ يوماً دَنا... فلا تَنْأَ عنهُ ولا تُقْصِهِ
لقد جاءَتْ كلمة القافية الأولى مُرْدَفة؛ أي بِحَرف المد "واو"،
بينما جاءَت وهي "تُقْصِهِ" غير مُرْدَفة بِحَرف مَد بل بحركة سكون وهذا لا يجوز؛ إذ ينبغي أن تكون جميع الأبيات مُرْدَفة، بحسب النظام العَروضي الذي ذَكرناه والموضوع من العروضيين؛ فإذا ظهرت كلمة قافية حيث الردف ممدوداً بألِف وجب أن تكون سائر الأبيات كذلك، أما إذا جاء الردف بحرف واو، وجب إما أن تأتي الأبيات بحروف المد واو، أو واو وياء إذا أحب الشاعِر/ة تنويعها.
سِنادُ التّوجيه: هو اختلاف حركة ما قبل الرّوي السّاكِن، نحوَ قول رُؤبَة (من الرجز):
وقاتِمِ الأعْماقِ خاوي المُخْتَرَقْ... ألّفَ شَتّى ليس بالرّاعي الحَمِقْ
هذا البيت مُصَرّع بقافية القاف وقد جاءت ساكنة، فلا ينبَغي أن يأتي الحرف السابِق لها مختلفاً مع قافية الكلمة الواقِعَة في الشّطر حيث العروض.
سِنادُ الإشْباعِ: هو اختلاف حركة الحرف الفاصِل بين الروي وألف التّأسيس، نحوَ قول الشاعِر (من الطويل):
دَعاني زُهَيرٌ تحتَ كَلْكَلِ خالِدٍ... فَجِئْتُ إليهِ كالعَجولِ أُبادِرُ
فَشَلَّتْ يميني يومَ أضْربُ خالداً... ويمنعهُ مِنّي الحديدُ المظاهَرُ
التَّحْريد: هو اخْتِلاف ضروب القصيدة الواحِدة، كأن يأتي البيت الأوّل على ضَرب، والبيت الثاني على ضَرب آخر، نحو قول الشاعِر (من الطويل):
إذا أنت فَضَّلْتَ امرأً ذا نباهة... على ناقِصٍ كان المَديحُ من النَّقْصِ
ألَم ترى أنّ السّيف ينقُصُ قَدرهُ... إذا قيلَ هذا السّيفُ خَيرٌ من العَصَى
وهنا، نتحدّث عن التغيير العروضي الذي سنشرحه بِدقَّةٍ، فالضّرْب في البيت الأوّل "مفاعيلن" من النَّقْصِ، وفي البيتِ الثاني "مفاعِلُنْ" (من العَصى)
الاقتِصاد: هو اختلاف أعاريض القصيدة، نحوَ قول عَنْتَرة (من الكامِل):
عَلّقتها عَرَضاً وَأقْتُلُ قومها... زَعْماً لِعُمرِ أبيك ليسَ بِمزعمِ
جادَتْ عليهِ كُلُّ بكرٍ حُرَّةٍ... فَتَرَكْنَ كُلّ قرارةٍ كالدّرهَمِ
فالعَروض؛ أي التفعيلة الأخيرة في عَجزِ البيت الأول "متفاعلن" (تُلُ قومها)، وفي البيت الثاني "مُسْتفعلن" (رٍ حُرَّةٍ).
الغُلُوّ: هو تحريكُ الرّوي الساكِن بحيث يُؤَدّي إلى كَسْر الوَزن، ومنهُ قول رُؤبَة (من الرّجز):
وقاتمِ الأعْماقِ خاوي المُخْتَرَقِنْ... مُشْتَبهِ الأعلام لَمّاعَ الخَفَقِنْ
حيث زيدَت النون في الضّرب مِمّا أدّى إلى كَسْرِ الوَزْنِ
التّعَدّي: وهو تحريكُ هاءِ الوَصْلِ السّاكِنَة بِحيثُ يُؤَدّي تَحْريكها إلى كَسْرِ الوَزْن، نحوَ قولِ أبي النّجم (من الرّجز):
تَنْفُشُ منهُ الخَيلُ ما لا تَغْزلُهْ
فَضَرْبهُ "مستفعلن" (لا تغْزلُهُ)، ولو حُرِّكَت الهاء لكسر الوزن وأصبَح "مُسْتَفعلتن"، وهذه التفعيلة غير معروفة في بحر الرّجز، إذا لم يأتِ اختيار الكلمة جائز عروضيّاً في (الشعر العَمودي).
التّضمين: هو تَعَلّق قافية البيت الأوّل بالبيت الذي يَليه، نحوَ قولِ النابِغة الذّبياني (من الوافِر):
وهم ورَدوا الجفار على تميم... وهم أصحاب يَومِ عُكاظ إنّي
شَهدْتُ لهم مواطِن صادِقاتٍ... أتيتُهُمُ بِودّ الصَّدْرِ مِنّي
الإلجاء: هو أن يَلْجَأ الشاعِر مُرْغَماً على ذِكْرِ أحَد الأعْلام لاتّفاقِهِ مع الرّوِيّ دون ميزةٍ مُعَيّنَةٍ فيه، نحوَ قول أبي تَمّام (من الطّويل):
مَحسِنُ أصنافِ المُغَنّين جَمّةٌ... وما قَصباتُ السّبْقِ إلا لِمعْبدِ
الاسْتِدعاء: هو الإتيان بالقافية ليستوي الرّويّ، ويَتِمّ الوَزْن، دون أن تفيد معنى زائداً، نحو قولِ أبي تَمّام (من الكامِل):
كالظّبيةِ الأدْماءِ صافَتْ فارْتَعَتْ... زَهْرَ العرارِ الغَضِّ والجثاثا
فَليس في وَصفِ الظبية أنّها تَرْتَعي النباتَ فائدة.
التّنافُر: هو خروجٌ على ما تَقْتَضيهِ الموسيقى من تماثُلٍ صَوتِيٍّ، أو تَشابُهٍ نَغَمِيّ، نحوَ قول العتابي (من البَسيط):
فتّ الممادِحَ إلا أنّ الألْسُنا... مُسْتَنْطقاتٌ بِما تُخْفي الضّماييرُ
فَلَفْظَةُ "الضّماييرُ" ثقيلة على السّمع، وقد قال المرزباني: "لو وَقَعَت (الضّمايير) في البَحْرِ لَكَدَّرَتْهُ، وهي صَحيحة لكنّها غير مألوفة، ولا مُسْتَعْذَبة.
وبهذا نكون قد أنهينا فَصل عيوب القوافي لنبْدأ فصلَ "الجوازات الشعرية" قبل خوضنا غمار "تطبيق الشعر العمودي" المُفَصّل المنتَظَر.
يَتْبَع...