الدعاء في الحج-
محمد بن إبراهيم الحمد
الدعاء نعمة كبرى ، ومنحة جلَّى ، جاد بها ربُنا -جل وعلا- حيث أمرنا بالدعاء ، ووعدنا بالإجابة والإثابة ، فشأن الدعاء عظيم ، ومنـزلته عالية في الدين ، فما اسْتُجْلِبت النعم بمثله ، ولا استُدفعت النقم بمثله ، ذلك أنه يتضمن توحيد الله ، وإفراده بالعبادة دون من سواه .
وهذا هو رأس الأمر ، وأصل الدين .
والدعاء عبادة لله ، وتوكل عليه .
والدعاء – أيضاً – محبوب لله ، وأكرم شيء عليه تعالى
والدعاء سبب عظيم لانشراح الصدر ، وتفريج الهم ، ودفع غضب الله .
والدعاء مفزع المظلومين ، وملجأ المستضعفين ، وأمان الخائفين .
والدعاء سبب لدفع البلاء قبل نـزوله ، ورفعه بعد نـزوله .
ثم إن ثمرة الدعاء مضمونةٌ ؛ إذا أتى الداعي بشرائط الدعاء وآدابه ، فإما أن تعجَّل له الدعوة ، وإما أن يُدفع عنه من السوء مثلها ، وإما أن تُدخر له في الآخرة .
فما أشد حاجةَ العباد إلى الدعاء ! بل ما أعظمَ ضرورتهم إليه !
مظاهر إجابة الدعاء في الحج :
هذا وإن الحج فرصة عظيمة ؛ للإكثار من الدعاء والإلحاح على الله فيه ، ذلك أن مظانَّ إجابة الدعاء في الحج كثيرة متوافرة ؛ فالأوقات ، والأماكن ، والأحوال ، والأوضاع التي يستجاب فيها الدعاء – تتوافر في الحج أكثر مما تتوافر في غيره ، فمن تلك المظانِّ التي ترجي فيها إجابة الدعاء في الحج ما يلي :
1- أن الحاج مسافر : والمسافر مستجاب الدعاء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده )) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود ، وصححه الألباني .
2- أن الحاج مستجاب الدعوة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الغازي في سبيل الله ، والحاج ، والمعتمر وفد الله ، دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعاطاهم )) رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني .
3- في الحج يشتد الإخلاص: وذلك من أعظم أسباب الإجابة كما في قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة ، كما في صحيح البخاري ، فكان إخلاصهم لله أعظم سبب لنجاحهم .
4- في الحج مواضع عديدة يشرع فيها الدعاء ، وترجي الإجابة : فمن ذلك ما يلي :
أ- الدعاء عند الصفا: لما جاء في صحيح مسلم من الحديث الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه جابر ، وفيه : (( فبدأ بالصفا ، فَرقىَ حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله ، وكبَّره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات )) .
ب- الدعاء عند المروة للحديث السابق ، وفيه (( ثم نـزل المروة ، حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صَعِدتا مشى ، حتى إذا أتى المروة ففعل على المروة كما فعل في الصفا )) .
ج- الدعاء يوم عرفة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له )) رواه مالك ، والترمذي ، وحسنه الألباني .
د- الدعاء عند المشعر الحرام : كما جاء في حديث جابر الطويل ، وفيه : (( ثم ركب القصواء حتى إذا أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعاه ، وكبره ، وهلله ، ووحده ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً )) .
هـ - الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى: لما جاء في صحيح البخاري أن رسول الله r: ((كـان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات ، ثم يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة ، رافعاً يديه يدعو ، وكان يطيل الوقوف )) .
و- الدعاء بعد رمي الجمرة الوسطى : للحديث السابق ، وفيه : (( ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي ، فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو ، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات ، يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ، ولا يقف عندها )) .
ز- الدعاء عن شرب ماء زمزم قال صلى الله عليه وسلم : (( ماء زمزم لما شرب له )) أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني .
مظاهر أخرى لإجابة الدعاء:
هذا وإن هناك مواضع وأحوالاً يشرع فيها الدعاء ، وترجي الإجابة غير ما ذُكر ، ويشترك فيها الحاج وغيره .
ومن ذلك على سبيل الإجمال: الدعاء في جوف الليل ووقت السحر ، ودبر الصلوات المكتوبات ، وبين الأذان والإقامة ، وعند نـزول الغيث ، وفي السجود ، وعقب الوضـوء وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير .
ومن ذلك : الدعاء عند رقة القلب ، ودعاء المضطر ، ودعاء المظلوم ، ودعاء الوالد لولده ، وعلى ولده ، ودعاء الولد الصالح لوالده .
ومن ذلك عند الدعاء بـ ( لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الانبياء: من الآية87).
وفي حالة المصيبة عند الدعاء بـ (( َإِنَّا لله وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللهم آجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منها )) .
شروط الدعاء :
أيها الحاج الكريم ! ومما يجب حال الدعاء ما يلي :
1-أن تكون عالماً بأن الله وحده هو القادر على إجابة الدعاء .
2-ألا تدعو مع الله أحداً غيره ، لأن دعاء غير الله شرك بالله تعالى .
3-أن تتوسل إلى الله بالتوسلات المشروعة كأن تسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى ، أو أن تدعو بصالح عملك أو غير ذلك من التوسلات المشروعة .
4-أن تتجنب التوسلات الشركية كدعاء غير الله ، وأن تتجنب التوسلات البدعيـة ، كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم .
5-أن تتجنب الاستعجال .
6- وأن تكون حسن الظن بالله .
7- وأن تكون حاضر القلب .
8- مطيباً لمطعمك .
9- متجنباً الاعتداء في الدعاء .
آداب الدعاء :
ومما يحسن بك أيها الحاج أن تأتي بآداب الدعاء ، كي يكون دعاؤك كاملاً ، فمن تلك الآداب ما يلي :
1-الثناء على الله قبل الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
2-الإقرار بالذنب .
3-إظهار الفاقة والفقر .
4-التضرع والخشوع .
5-الرغبة والرهبة .
6-الإلحاح بالدعاء .
7- تجنب الدعاء على الأهل والمال والنفس .
8-استقبال القبلة .
9-الدعاء ثلاثاً .
10-اختيار الجوامع من الدعاء .
11- رفع الأيدي .
12- خفض الصوت ، والإسرار بالدعاء إلا أن يكون خلف الداعي أناس يؤمنون .
13-ألا تحجر رحمة الله .
14-أن تدعو لإخوانك المسلمين .
15-أن تسأل الله كل صغيرة وكبيرة
نماذج لأدعية من الكتاب والسنة:
ومما يحسن بك أيها الحاج ! حال الدعاء: أن تدعو بالأدعية المشروعة من الكتاب والسنة ، لما فيها من الخير ، والاتباع ، والبركة ، والسلامة من الخطأ ، والاعتداء .
سعاده