نقد عربي قديم
  مصطلحات التثقيف والتنقيح:
من اعداد:خديمو سعيدة
   إن" الشعر عند بعض الشعراء ليس تدفقا تلقائيا سيستسلم فيه الشاعر لقريحته ، بل هو ضرب من المعاناة والمكايدة والطلب الملح"(1)  فلا يكتفي الشاعر بما قدمه أول مرة بل يتأمل فيسقط ويضيق ليقوم عوج شعره ليكون اقرب للنص الأدبي الكامل ويقول الحطيئة :" خير الشعر الحولي المنقح المحكّك" (2) ، وهو بذلك يطرح فكرة تفضيل النقاد والشعراء للشعر المقوم .
  واصل الثِقاف في اللغة هو ما تسوى به الرماح وجاء في قاموس المحيط : ثقف ككرم، ثقفا وثقفا وثقافة؛ صار حذقا ،وثقفه سمعه :صادفه أو أخذه وأمرا ثقاف :فطن ،الثقاف هو الجلاد والخصام وما تسوى به الرماح وثقفه تثقيفا أي سواه(3)
 أما التنقيح فهو التهذيب فيقال : نقح العظم استخرج مخه، كنقحه، وانقحه وانتقح الشيء قشره ، وانتقح الجذع :شذبه ، كنقحه ، وتنقيح الشعر وانتقاحه:تهذيبه (4)  
  وقد ظهرت فكرة تثقيف الشعر عند زهير ابن أبي سلمى الذي كان يسمى كبر قصائده بالحوليات (5)، أي التي مضى عليها حول وهو يقلب النظر فيها ويقوم عوجها وقال الشاعر الجاهلي الإسلامي ابن كراع وهو يصف حاله مع الإبداع الشعري '(6) :
  أبيت بأبواب القوافي *أصادي بها سربا من الوحوش نزعا
  أكالئها حتى أعرِتي بعدما *يكون سُحيراً أو بعيد فاهجعا
  عواصيَ إلا ما جعلت وراءها *عصا مربد تغشى نحورا واذرعا
وقال عدي بن الرقاع (في العصر الأموي) (7)
   وقصيدة قد بت اجمع بينهما= حتى أقوم ميلها و سنادها
    نظر المثقف في كعوب قناعته= حتى يقيم ثقافه منادها
إذا فالحوك –التثقيف –هو إحكام النسج والتشديد في الاختيار والتعديل(8)   من باب الصغة لا تكلف ، ويقول ابن طباطبا:"فإذا كملت له المعاني وكثرت الأبيات وفق بينهما بأبيات تكون نظاما لها ، وسلكا جامعا لما تشتت منها ، ثم يتأمل ما قد أداه إليه طبعه و نتجت فكرته ، فيستقصي انتقاده ، ويرمي ما وهي منها ، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية، وإن اتفقت له القوافي قد شغلها في معنى من المعاني واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول وكانت تلك القافية أوقعت في المعنى المختار الذي هو أحسن وأبطل ذلك البيت أو نقض بعضه وطلب لمعناه قافية تشاكله " (9)
ويقول العسكري :"وتغير الألفاظ وإبدال بعضها ببعض يوجب التئام الكلام وهو من أحسن نعوته وازين صفاته "  (10)، والتثقيف في الأخير يعني التجويد وإعادة النظر في كل بيت حتى تكون أبيات القصيدة متساوية في الجودة "(11)
والشاعر المطبوع يزيد شعره جودة وجمالا بمراجعة نظره فيما أنتجه معوجه ويثقف منآده"(12) "ولا يخفي إن فكرة التنقيح و التحكيك حين يوصف بها شاعر أو شعره ترسم في أذهان الناس اهتماما بالشعر و صقله وتجويدا لنسبه ، وتأنقا في تصوير معانيه ولاشك في أن لذلك تأثيرا كبيرا في النقد"(13)  كشعر أوس بن حجر وزهير و الحطيئة والنابغة وممن عرف عليهم تثقيف أشعارهم ، قال الحطيئة (14)  وقد أحسن في نسق الكلام بعضه على بعض
فلا وأبيك ما ظلمت قريع= بان يبنوا المكارم حيث شاعوا
ولا أبيك ما ظلمت قريع= ولا عنفوا بذالك ولا أساءوا
بعثرة جارهم أن ينعشوها= فيغبر بعدها نظم وشاء
فيبني مجدها ويقيم فيها = ويمشي إن أريد به المشاء
فإن الجار مثل الضيف يغدوا= لوجهته وإن طال الثواء
المصادر :
1- د.عيسى العاكوب,التفكير النقدي عند العرب .ط1/1997م الإعادة الخامسة 1427ه-2006م,دار الفكر المعاصر بيروت ,لبنان,ص35.
 2-د.إحسان عباس ,تاريخ النقد الأدب العربي عند العرب .ط1.د.ت.دار الشرق ,عمان .
 3-الفيروزابادي ,قاموس المحيط مادة ثقف  ط2: 2007,دار الكتب العلمية .بيروت ,لبنان ص811-812
 4-الفيروزابادي ,قاموس المحيط ,مادة (نقح),ط2: 2007 دار الكتب العلمية,بيروت,لبنان,ص271
5- التفكير النقدي عند العرب ص 36
6- تاريخ النقد الأدبي عند العرب ص24
 7-المرجع السابق ص24
8- المرجع السابق ص24
9-احمد احمد بدوي, أسس النقد الأدبي عند العرب, نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع 1996 ص485
 10-المرجع السابق ص485
11- تاريخ النقد ص24
 12-أسس النقد الأدبي عند العرب ص485
 13-التفكير النقدي عند العرب ص835
14- ابن رشيق القيرواني ,العمدة في صناعة الشعر ونقده,تحقيق د.النبوي عبد الواحد شعلان ,ط1 1420ه/2000م مكتبة الخانجى –القاهرة ,مصر208

مقال جيد ومفيد لطلاب الدراسات النقدية والبحث العلمي
شكرا أستاذ : الرونق هبة عبد الرحمن 
جزاك الله خيرا