كان لهارون الرشيد ابن اسمه احمد اطلق عليه المؤرخون احمد السبتي لأنه رفض ان يتقاضي مرتباً من الدولة دون ان يؤدي عملا وترك بغداد وذلك الي البصرة دون أن يعلم احد انه ابن امير المؤمنين .
وكان يعمل طيانا يوم السبت فقط اي يدهن البناء بالطين ثم يتفرغ باقي الاسبوع لعبادة الله عز وجل وكان يشترط علي من يستأجره لهذا العمل أن يعطيه وقتاً كافياً للصلاة حين يؤذن لصلاة الظهر والعصر .
وعاش أحمد السبتي في بيت متواضع جداً في البصرة، لا يوجد فيه إلا بردة قديمة ووسادة من الليف ولما مرض مرض الموت وذهب رجل من أهل البصرة ليزوره، اعطاه قلاده وقال له بعد ان تكفنني في هذه البرودة وتدفنني اذهب بهذه القلادة الي أمير المؤمنين في بغداد واعطه اياها .
وذات يوم كان هارون الرشيد جالساً في قصر الامارة فاذا برجل يستأذن عليه في الدخول، ولما اذن له طلب الي أمير المؤمنين أن يجلس معه علي انفراد لأمر هام وعلي الفور أخلى هارون الرشيد القاعة فأخرج الرجل القلادة وقدمها له ولما رآها هارون الرشيد تعجب وسأله أين صاحبها فأخبره بأنه مات ودفن في البصرة .
أمر أمير المؤمنين بإعداد راحلته للسفر الي البصرة ولما وصل الي قبر ابنه بكى بكاءا شديداً وقال : رحمه الله لقد رفض أن يعيش إلا من عمل يده وترك زينة الدنيا لنا .
الخفاش الحزين
في احد الايام شعر الخفاش بالحزن فهو يري صديقه الهدهد يطير كل يوم في الصباح عندما تشرق الشمس بينما هو لا يقدر، لذلك قرر أن يخرج من جحره ويجرب أن يطير هو الآخر في الصباح، ولم يكد يفعل هذا حتي اصيب بالعمي من شدة اشعة الشمس، ولم يستطع ان يري اي شئ .
رآه الهدهد الطيب فأسرع الي انقاذه وسأله عما حدث فقال الخفاش : انا لا استطيع أن أرى أي شئ أمامي، فقال الهدهد : دعني أساعدك وأعيدك إلي جحرك يا صديقي، وأسرع الهدهد ممسكاً بالخفاش وقاده الي جحره المظلم ولم يكد الخفاش يدخل الي الظلام حتي عاد اليه بصره من جديد، وصاح قائلاً للهدهد : اشكركً كثيرا يا صديقي العزيز .
قال الهدهد : عفواً فأنا لم أفعل معك سوى شئ من حقوق الصداقة ومن واجبي تجاهك، ولكن اخبرني لماذا حاولت الخروج من جحرك في الصباح وفي ضوء الشمس قال الخفاش : لأنني اشعر بالحزن الشديد، فأنت تقدر علي الطيران بالنهار بينما أنا لا أستطيع ذلك، ضحك الهدهد قائلاً : لا تحزن يا صاحبي، فأنت أيضاً تستطيع أن تطير في الليل بينما أنا لا أقدر علي ذلك، إنها حكمة الله عز وجل علي صديقي، هو الخالق القادر علي كل شئ، لقد جعل لكل كائن من مخلوقاته الزمان والمكان الذي يناسبه .