إنَّ لِعِلم النحو أكبرَ الأثر في وقاية اللسان وحفظِه من الوقوع في اللحْن، ولقد كان الجهابذةُ مِن أسلافِنا يتباهَوْن بمعرفته، ويرَوْن أن فاقِدَهُ يفتضح بكثرة الزَّلل، وأن اللحَّان لا يصلُح لوظيفة التعليم: فإنه لو أوتي مِن البراعة بأتِّم ما يكون، ولَحَنَ، ذهبتْ محاسِنُ ما أوتي به، وانهدمتْ طبقةُ كلامه، وألقَى جميع ما أحسَنه، ووقف بها عند ما جهِلَه.
ولهذا قال الشاعر:
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه ♦♦♦ فلم يَبْقَ إلا صورة اللحم والدمِ
وقال آخر:
يموت الفتى مِن عثْرة بلسانه وليس يموت المرءُ مِن عثرة الرِّجْلِ
فعثْرتُه مِن فيه ترمي برأسه وعثْرتُه بالرِّجْل تبرأ عن مَهْلِ |
وقال آخر:
جراحاتُ الطِّعانِ لها التِئامٌ ♦♦♦ ولا يَلْتَامُ ما جَرَح اللسانُ
ولقد ورد عن كثير مِن سلفنا الصالح مِن الصحابة ومَن بَعدهم: كعُمر بنِ الخطاب، وعبدِ الله ابنِه، وابنِ عباس، وعمر بن عبد العزيز، والإمام أحمد؛ أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحْن.
وقال المروزي عن الإمام أحمد: كان أبو عبد الله لا يَلْحَن في الكلام.
وفي "مُعجم الأدباء" للحموي: حدَّث النضرُ بن شُميل قال: أخبرنا الخليلُ بن أحمد: قال: سمعتُ أيوبَ السختياني يحدِّث بحديث، فلحَن فيه، فقال: أستغفر اللهَ؛ يعني: أنه عَدَّ اللحْنَ ذنبًا.
ولقد بلَغ مِن خُطورة اللحْن وقُبْحه وعظمِه عند السلف؛ أن منهم مَن عد الراويَ اللحَّانَ كاذبًا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال الأصمعي رحمه الله: إنَّ أخْوَفَ ما أخاف على طالب العِلْم - إذا لم يعرف النحْو - أنْ يَدْخُل في جملة قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كذَب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)).
وأخيرًا: قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله محذِّرًا مِن اللحْن: ابتعِد عن اللحْن في اللفظ والكتب؛ فإنَّ عدَم اللحنِ جلالة، وصفاءُ ذوقٍ، ووقوفٌ على مِلاح المعاني؛ لسلامة المباني. ــ منقول للفائدة ـــ