أولاً- مبدأ الاعتدال :
الذي بنيت عليه اللغة العربية , فأكثر كلماتها وضعت على ثلاثة أحرف , و قليل منها أصله رباعي أو خماسي لكيلا يطول النطق و يعسر , فلم يكثروا من الألفاظ الثنائية خشية تتابع عدة كلمات في العبارة الواحدة فيضعف متن الكلام و يحدث فيه ما يشبه التقطع لتوالي الألفاظ المكونة من حرفين , و قد خرجت بعض اللغات عن الأخرى عن الاعتدال _ كما يقول الباقلاني _ يتكرر في بعض الألسنة الحرف الواحد في الكلمة الواحدة , و الكلمات المختلفة كثيراً نحو تكرر حرفي الطاء و السين في اللغة اليونانية , و الحروف الكثيرة في تسمية الشيء الواحد في لغة الترك .
و قد شهد للغة العربية الكثير من الدارسين و المستشرقين و الأجانب و حتى الكارهين أمثال ارنست رينان في كتابه ( تاريخ اللغات السامية ) ووصفها قائلا : ( تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ورقة معانيها و حسن نظامها , ظهرت كاملة من غير تدرج ) و قال عنها المطران يوسف داوود الموصلي : ( أقرب سائر لغات الدنيا إلى قواعد المنطق عباراتها سلسة طبيعية ).
و في حديث للمستشرق ماسينون عام 1949 تحدث عن تركيب اللغات المختلفة فأوضح أن العربية تفضل العبرية و السريانية لقدرتها على الجمع بين خصائص
السامية , و الميزات الخاصة التي تتمثل في سعة مدارجها الصوتية من أقصى الحلق إلى ما بعد الشفتين , مما أدى إلى انسجام صوتي مع توازن و ثبات بالاضافة إلى الرابطة القوية بين ألفاظها , و لكل صوت من اللغة العربية صفة و مخرج و إيحاء
و دلالة و معنى داخل و إشعاع و صدى و إيقاع .
ثانياً -اتساع معجمها:
فالمعنى الواحد وضعت له ألفاظ متعددة لتكثير وسائل التفاهم و حتى يجد المتكلم سهولة و عدم توقف أثناء الخطاب فإذا غاب عنه لفظ كان بوسعه أن يأتي بمرادفه و إذا كان لا يستطيع النطق بكلمة كالألثغ لجأ إلى كلمة مرادفه لها كما فعل واصل بن عطاء الذي لم يكن يحسن النطق بالراء فألقى خطبة بكاملها بدون أن يلجأ إلى الكلمات التي تحتوي على حرف الراء ,
وقد أدى وجود ظاهرة الترادف في اللغة العربية إلى عصمة الخطباء و الكتاب من التكرار مثال ذلك قول معاوية :( من لم يكن من بين عبد المطلب جواداً فهو دخيل , و من لم يكن من بني الزبير شجاعا فهو لزيق , و من لم يكن من ولد المغيرة تيّاها فهو سنيد ) فلم يكرر كلمة دخيل و استعاض عنها بكلمتين مترادفتين .
و للغة العربية طريقة عجيبة في التوليد جعلت آخر هذه اللغة متصلاً بأولها في نسيج ملتحم من غير أن تذهب معالمها بعكس اللغات الأوروبية , ففي اللغة العربية نشتق المكتبة ( اسم المكان ) من الكتاب و الكتابة بينما لا علاقة بين (book ) التي تعني كتاب في اللغة الإنجليزية و بين ( library ) التي تعني مكتبة .
و من خصائص اللغة العربية أن الكلمة الواحدة فيها تحتفظ بدلالاتها المجازية و الواقعية دون التباس بين المعنيين .
و لقد انفردت اللغة العربية بفن من النظم الشعري _ كما يقول العقاد _ لم تتوافر شرائطه و أدواته , و كلمة ( الشعر ) في اللغة العربية مع تحريفاتها الكثيرة ترجع في اللغات السامية إلى أصلها العربي كما يروي الثقاة من اللغويين المحدثين فكلمة
( شيرو) في الأكدية القديمة و (شير) في العبرية , و ( شور ) في الآرمية كلها ترتبط بمعني الإنشاد و الترنم الذي يشير إلى ( الشعر ) و هي كلمة عربية الأصل .
و كذلك اللغة العربية لغة مجاز , و المجاز كما هو معروف الخاصية الأولى للغة الشعر و ليس المجاز ما يشغل ذهن المتكلم إذ سرعان ما ينتقل المتلقي بذهنه إلى المعنى الأصلي , فمثلا لو قال شخص عن آخر أنه ( أسد ) فسوف يفهم السامع مباشرة أن المقصود من ذلك هو الشجاعة .
ولو لاحظنا اللغة العربية لوجدنا أنه يكثر فيها اقتران المعاني الحسية بالمعاني المجردة و انتقال المفردة من معنى إلى آخر لا يلغي المعنى السابق لذلك فإن لغتنا العربية لا تحتاج إلى التسلسل التاريخي في وضع معاجمها الحديثة لان معانيها في الغالب لا تهجر بل تستخدم كلها وفقاً لسياقاتها المتنوعة .
و أريد أن أضيف أن اللغة العربية تميزت بعدة ظواهر لغوية تدل على مدى سعة اللغة العربية و ثراءها و سعة الدلالة فيها على المعنى , سوف أذكرها باختصار
أ ) ظاهرة الترادف :
و تعني ما اختلف لفظه و اتفق معناه حيث تطلق عدة كلمات على مدلول واحد , و قد كان للعلماء الباحثين في هذه المسألة مواقف متباينة فمنهم من أثبت وجود الترادف دون قيود و هم الأكثرية , و هناك من أنكر و جود هذه الظاهرة إنكاراً تاما ً موضحا ً أن هناك فروقاً ملموسة في المعنى , و هناك فريق ثالث أثبت الترادف لكنه قيده بشروط أقرب ما تكون إلى إنكاره .
ب ) المشترك :
و هو اللفظ الواحد له أثر من معنى , و هو قليل جداً في اللغة ,
و مثال ذلك العين التي هي في الأصل عضو الإبصار , فلأن الدمع يجري منها كما يجري الماء , أو لمعانها و ما يحف بها من أهداب تشبه عين الماء التي تحف بها الأشجار , و العين من أعيان الناس و هم وجهاؤهم , لقيمتهم في المجتمع التي تشبه قيمة العين في الأعضاء , و العين بمعنى الإصابة بالحسد لأن العين هي المتسببة في هذه الإصابة....و ما إلى ذلك من معان .
ج ) التضاد :
و هو ضرب من ضروب الاشتراك إذ يطلق اللفظ على المعنى و نقيضه مثال ذلك : الأزر : القوة و الضعف , السبل : الحلال و الحرام , الحميم : الماء البارد و الحار , المولى : السيد و العبد , الرس : الإصلاح و الفساد ....الخ.
د ) الاشتقاق :
و هو من أكثر روافد اللغة و توسعها أهمية , و من أبرز خصائص اللغة العربية و يدور معنى الاشتقاق في اللغة حول المعني الرئيسية التالية :
الدلالة الحسية : أخذ الشيء و هو نصفه .
الدلالة المعنوية : الخصومة و الأخذ في الكلام .
الدلالة الصرفية : اشتق الحرف من الحروف أي أخذه منه .
هـ) التعريب و التوليد:
المعرب : و هو لفظ استعاره العرب القدامى في عصر الاحتجاج باللغة من أمة أخرى , و استعملوه في لسانهم مثل : السندس , الزنجبيل , الإبريق و ما إلى ذلك
المولّد : و هو لفظ عربي البناء أعطي في اللغة الحديثة معنى مختلفاً عما كان العرب يعرفونه , مثل : الجريدة , المجلة , السيارة , الطيارة .... الخ .
و ) النحـت :
و يعرف بأنه انتزاع كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر تدل على معنى ما انتزعت منه كالبسملة من قولنا ( بسم الله الرحمن الرحيم ) , أو حر فين مثل :(إنما) من إن و ما .....الخ.
ز ) تلخيص أصوات الطبيعة :
من وسائل زيادة الثروة اللغوية في اللغة العربية تلخيص أصوات الطبيعة و محاكاتها و في اللغة العربية ألفاظ كثيرة دالة على أصوات الحيوانات و ضوضاء الأشياء و هناك ألفاظ دالة على النطق و الكلام مثل تعتع أي ( تردد في الكلام ) .
ح ) انتقال المفردة من المحسوس :
و هذا الانتقال أثر في الفكر و بروز الحاجة إلى التعبير عن المعقولات و المجردات , من ذلك :
الاقتباس : اصلها المادي قبس من النار ثم نقل المعنى إلى الأخذ من العلم والكلام و هو معنى معنوي .
التشاجر : اصلها في الدلالة المادية تداخل الشجر و تشابكه ثم انتقل إلى الدلالة المعنوية ( المخاصمة ) .
ثالثاً- وجود علامات الضبط بالشكل ( َ ِ ُ ْ ً ٍ ٌ ّ ) و هي تنقسم إلى:
أ. حركات : فتحة + ضمة + كسرة + فتحتين + كسرتين + ضمتين.
ب. الشدة.
و تتميز الشده أنها تأتي على الحرف مع إحدى الحركات.
رابعا ً- إختلاف شكل الحرف حسب موقعة من (المقطع) إلا الهمزة المفردة ( ء ).
المقطع هو: مجموعة من الحروف المتصلة، و الكلمة قد تتكون من أكثر من مقطع، و الحرف إما أن يكون:
أ.مستقل. ب.في بداية المقطع. ج.في وسط المقطع. د.في آخر المقطع.
و تتشكل الحروف فمنها ما يأخذ شكل و منها شكلان و منها ما يأخذ أربعة أشكال.
أ.شكل واحد: ( ء ) و هي الحرف الوحيد الذي يأخذ شكل واحد.
ب.شكلين: و منها الواو مثلاً قد تأخذ الشكل ( و ) و قد تأخذ الشكل ( ـو ) و هي الحروف التي لا توصل بما بعدها.
ج.أربعة أشكال: و منها حرف العين ( ع ) مثلاً ز قد تأخذ العين الأشكال: ( ع ) ( عـ ) ( ـعـ ) ( ـع ). و هي التي توصل بما قبلها و ما بعدها.
خامساً - هناك حروف تكتب و لا تنطق و حروف تنطق و لا تكتب:
من الحروف التي تكتب و لا تنطق هي همزة الوصل مثلاً في عبدالله، و اللام الشمسية، و ألف واو الجماعة في قالوا مثلاً و ...
و من الحروف التي تنطق و لا تكتب مثل لكن فهي تنطق ( لاكن ) و هذا تنطق ( هاذا ) و الرحمن تنطق ( الرحمان ) و هكذا ...
سادساًسادساً- الكلمات العربية مركبة يدخل فيها:
التذكير و التأنيث، الزمن، العدد، المخاطب، المتكلم ... إلخ.
7. وجود العديد من الخطوط العربية فمثلاً حرف الهاء يكتب بأكثر من شكل في عديد من الخطوط.
ثامنا ً- بعض الحروف العربية أعرض من بعض:
فمثلاً حرف ( ص ) ليس بعرض حرف ( ا ) فمكان الصاد ممكن أن يكتب 4-5 حروف ( ا ).
9تاسعاً - وجود تشابة كبير بين الحروف:
فمثلاً ( ت ) تشبة الـ ( ث ) و الـ ( ص ) تشبة الـ ( ض ) و الـ ( بـ ) تشبة الـ ( يـ ) أما مخرج الحروف تكون مختلفة.
عاشراً - تغير بعض الكلمات عن أصل الجذر.
- حروف العلَّة: ( ق و ل ) تتحول إلى ( يقال ) أو ( قيل ) أو ( قل ) فمن الممكن أن نزيد حرف مثل ( يقال ) أو نغير حرف مثل ( قيل )
أو من الممكن حتى أن يحذف حرف مثل ( قل ).
- دخول حروف جديدة منقلبة عن حروف أخرى.
فمثلاً الجذر ( ف ع ل ) من الممكن أن يولد الكلمة ( إفتعل ).
فلو أخذنا الكلمة ( صَبَر ) على وزن ( ف ع ل ) و أردنا أن نحولها إلى الوزن ( إفتعل ) فإنها ستتحول إلى ( إصطبر )
فتحولت التاء إلى طاء، و السبب في ذلك حرف الصاد من حروف الإستعلاء و حرف التاء من حروف الإستفالة فمن الصعوبة نطق
الصاد بعدها تاء مثل ( إصتبر ) فبدلت بحرف إستعلاء قريب من التاء و هو الطاء.